يمثّل سرطان القولون Cancer of Colon في مصر مشكلة صحية لها أبعاد متنوّعة، نظراً لأنه يصيب الإنسان في حقبة عمرية منتجة، ما يعني أنه يؤثر على الاقتصاد والصحة العامة. وتتراوح نسبة الإصابة به بين 10 و12 في المئة من مجموع المصابين بالأورام في مصر. وعلى رغم أن هذه النسبة تعتبر منخفضة بالمقارنة مع ما يقابلها في المجتمعات الغربية، فإنها في تزايد ملحوظ خلال السنوات العشر الماضية نتيجة استقبال المجتمع المصري عادات غذائية غربية معتمدة على الوجبات السريعة، ما جعل سرطان القولون يحتل المرتبة الرابعة من الوفيات المصرية بالسرطان. ويعتبر الورم الخبيث في القولون من الأمراض القابلة للشفاء حتى حين يكتشف في مراحل متأخرة. ويتميّز هذا النوع من الأورام الخبيثة بسهولة اكتشافه في مراحل مبكرة. كما حظي بعدد كبير من البحوث العلمية التي طوّرت طرق التعامل معه، إذ ابتُكِرَت العلاجات الموجّهة التي رفعت نسب الشفاء من 15 في المئة إلى 50 في المئة، على رغم أنها تتطلّب إجراء تحليل بيولوجي يحدد مدى استفادة المريض من هذه العلاجات قبل استخدامها. عمل فريق نظراً لأهمية المرض، قرّر عدد من الأطباء المصريين المتخصصين في علاج أورام القولون، أن يبدأوا في إنشاء أول جمعية مصرية لسرطان القولون. وتضم هذه الجمعية أطباء علاج الأورام وجرّاحي الأورام وأطباء الأشعة التشخيصية والعلاجية، ما يعني أن تدفع صوب تبني المقاربة المعتمدة على تكوين فريق طبي متكامل لعلاج سرطان القولون. وفي أول اجتماع لهذه الجمعية، جرى وضع خطوط إرشادية لعلاج سرطان القولون تتناسب مع المعطيات المتوافرة عن هذا المرض وعلاجه في مصر. في هذا السياق، قال الدكتور ياسر عبدالقادر، رئيس «مركز علاج الأورام» في قصر العيني: «يتميّز سرطان القولون بأنه يستجيب في مراحله المتقدمة للعلاجين الكيمياوي والموجّه. وبعد أن كانت نسبة الشفاء لا تتعدى 5 في المئة أصبحت تقترب الآن من 50 في المئة. وينتشر المرض بنسبة أعلى عند الذكور. ويصيب 30 في المئة من المرضى في سن مبكرة (أقل من 45 سنة)، ما يزيد في أهميته كمشكلة قومية للصحة العامة في مصر، إضافة إلى تداعياته اقتصادياً واجتماعياً». وأوضح عبدالقادر أن هناك لجنة عليا لعلاج الأورام في مصر تابعة لوزارة الصحة. وقد جرى تكوين هذه اللجنة أخيراً، كما أُسنِد إليها وضع نُظُم علمية وعملانية في التعامل مع هذا المرض، وقواعد إرشادية للاكتشاف المبكر والعلاج الحديث، وهو ما يسمى بالبروتوكول الطبي. ويعتمد البروتوكول على القواعد الإرشادية والبروتوكولات المعتمدة في أوروبا والولايات المتحدة. وذكر عبد القادر أن هدف اللجنة التي تَقَرّر أن يكون مقرها في «مركز أورام معهد ناصر» شمال القاهرة، هو توفير العلاج نفسه للغني والفقير. في هذا الصدد، أكدت الدكتورة وفاء المتناوي، أستاذة علم الأمراض («باثولوجي» Pathology) في كلية طب القصر العيني، أن العلاج الكيمياوي الموجّه لمرضى المراحل المتقدّمة من سرطان القولون، أصبح يعتمد على بيولوجيا الورم نفسه، وليس على معطيات المريض وحده. وأوضحت أن العلماء استحدثوا تحليلات بيولوجية متطوّرة تُعرف باسم «كيراس»، وأنه بناء على إيجابية هذا التحليل أو سلبيته، يتحدد العلاج بالأدوية الموجهة ومدى الاستفادة منها. ولفتت إلى أن هذه الطريقة أدت لتحسّن فرص عيش هذه الشريحة من المرضى، لتصل إلى 3 سنوات. وبيّنت أيضاً أن المقاربة المعتمدة على استعمال العلاج الكيمياوي قبل الجراحة أدت إلى رفع نسبة الشفاء عند علاج أورام القولون المنتشرة. والتحليل البيولوجي، كما قالت المتناوي، لم يعمم حتى الآن إلا في المراكز الطبية الخاصة، إضافة إلى تطبيقه في بعض الحالات التي يتعامل معها «المعهد القومي للأورام»، ورأت أن من المطلوب إدراك أهمية هذا التحليل، لأنه يحدد خطة العلاج لمريض سرطان القولون، ما يوفر النفقات والجهد ويرفع من نسب الشفاء. ولفتت إلى أن المطالبة بتعميم هذا التحليل يستند إلى أن تكاليفه ليست باهظة، بل تتراوح بين 150 و 200 دولار في المراكز الخاصة، مع إمكان خفض هذه الأرقام إذا اعتُمِد هذا التحليل من قِبل وزارة الصحة. العادات السيئة في الغذاء في سياق متّصل، تناول الدكتور مصطفى الصيرفي أستاذ العلاج في معهد الأورام، العادات الغذائية غير الصحية، معتبراً إياها سبباً رئيساً في زيادة نسب الإصابة بسرطان القولون في مصر خلال السنوات العشر الأخيرة. وأضاف أنه حدثت طفرة في علاج سرطان القولون من طريق العلاج الموجّه، باستخدام التكنولوجيا الحيوية لاستهداف الخلايا السرطانية، لافتاً إلى أن هذه الطريقة أكثر فاعلية من سواها. وأوضح أنها تُقلّل مضاعفات الدواء الكيماوي على الخلايا السليمة، وتزيد من نسب استجابة المريض للعلاج، سواء باستخدام دواء مفرد أو العلاجات الكيمياوية التقليدية. وخلص الصيرفي الى القول ان مجموعة كبيرة من المواد الكيمياوية أثبتت فعلياً فاعليتها في العلاج الموجّه. وعلى غرار زملائه، لاحظ الدكتور علاء قنديل، أستاذ علاج الأورام في جامعة الإسكندرية، أن سرطان القولون يحدث إما في جدار أمعاء سليمة أو نتيجة تحوّرات في زوائد قولونية تتأتى من استعداد جيني للاستجابة للمواد المسرطنة. وبيّن أن نمو الورم في القولون تليه مرحلة الانتشار الذي يحدث عندما تتسرّب خلايا سرطانية من جدار القولون إلى الغدد اللمفاوية القريبة منه، لتنتقل بعدها إلى الدم. وأشار إلى أن الورم ينتشر عبر الدم ليضرب الكبد والرئة، مشيراً إلى أن أعراض سرطان القولون تتشابه في المراحل المبكرة مع أعراض كثير من أمراض الجهاز الهضمي واضطراباته. في صدد الوقاية، تحدث الدكتور طارق هاشم أستاذ علاج الأورام في جامعة المنوفية عن الكشف المبكر عن سرطان القولون، موضحاً أن أهميّته تأتي من أن ورم القولون قد يستغرق ما بين 10 و15 سنة للوصول الى المرحلة السرطانية. وبيّن أن هذا يتيح فرصة لإزالة الأورام من القولون قبل أن تتحول الى سرطان، كما يرفع معدلات الشفاء. وأضاف هاشم أن الاكتشاف المبكر يتطلب الفحص الدوري الذي يشمل تحليل الدم الكامن في البراز، ومنظار قولوني، على أن تجرى هذه الفحوص على فترات دورية تختلف حسب الأفراد. وعن الفئات الأكثر عرضة للإصابة بسرطان القولون، أوضح هاشم أنها تتصل بوجود تاريخ عائلي للإصابة بسرطان القولون أو أورامه الحميدة، والتعرض المتكرر لالتهابات الأمعاء، كما أن هناك عوامل عدة مرتبطة بنمط الحياة تجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بالمرض، اذ يوجد ارتباط قوي بين الوزن، النظام الغذائي والتمارين الرياضية من ناحية، وسرطان القولون من ناحية أخرى. وأخيراً، أشار هاشم إلى أن التدخين يندرج ضمن العوامل التي تزيد أيضاً من خطر الإصابة بسرطان القولون، إضافة إلى تناول بعض الأغذية التي تحتوي كيماويات أو مبيدات مُسَرطِنة. وكذلك يرتبط سرطان القولون بالإفراط في تناول المشروبات الكحولية، والإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، والزيادة المفرطة في الوزن.