بنغازي (ليبيا)، موسكو، القاهرة، طرابلس - أ ف ب، رويترز، أ ب - عاشت ليبيا حرة امس، رغم استمرار اشتباكات متقطعة في العاصمة طرابلس، وسط سلسلة احتفالات شعبية لليوم الثاني على التوالي. وبدا ان عميد الزعماء العرب الذي حكم بلاده على مدى 42 عاماً، التجأ الى سلسلة من الدهاليز في باب العزيزية وازقتها بعد اعتقال ثلاثة من اولاده. وتعهد الثوار بملاحقته من «بيت الى بيت ومن زنقة الى زنقة» اثر محاصرته في مجمع باب العزيزية. ومع اعلان رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل أمس أن حقبة القذافي انتهت، مؤكداً السعي الى بناء دولة ديموقراطية في «إطار إسلامي معتدل» ومحذراً من «أن المرحلة المقبلة لن تكون مفروشة بالورود»، اعترفت دول عدة، في طليعتها الصين وبريطانيا ومصر، بنجاح الثورة وبانتهاء حكم العقيد. ودعت فرنسا الى اجتماع لمجموعة الاتصال في باريس لمساعدة المجلس الوطني في الاعداد لمرحلة ما بعد القذافي وابنائه. وبعدما طالب عبد الجليل، وغيره من اركان الثورة، الليبيين بالوحدة، قال إن «لحظة النصر الحقيقية ستكون حين يتم القبض على معمر القذافي»، آملاً باعتقاله حياً وأن تجري محاكمته في شكل عادل. ودعا قادة الثورة المقاتلين الى «ضبط النفس وعدم التعرض لأرواح وأموال وممتلكات الليبيين وغيرهم» في طرابلس. وشددوا على أهمية «الصفح والعفو والتسامح وعلى بناء دولة القانون التي ستوفر محاكمة عادلة لكل من تضرر ولكل من اتهم في إحداث هذا الضرر». وكان القتال تواصل امس قرب مجمع باب العزيزية وفي مناطق متفرقة من طرابلس. واستمر الثوار بدفع تعزيزات الى العاصمة، واعادوا تسمية «الساحة الخضراء» التي دخلوا اليها ليل الاحد- الاثنين ب»ساحة الشهداء». واعتبرت المعارضة ان أمن طرابلس «أولوية كبرى» لها. ومع ان الثوار انتشروا في كل مناطق العاصمة الا ان احد ابناء القذافي قاد كتيبة دبابات في محاولة لرد الهجمات عن مواقع يتحصن فيها العقيد واخلص مساعديه. واكد ناطق عسكري باسم الثوار ان بقايا كتائب القذافي اخلت خط الجبهة في البريقة (شرق ليبيا) وهربت باتجاه الغرب نحو مدينة سرت معقل القذافي ومسقط رأسه. ومع استمرار الغموض في شأن مكان القذافي، رجحت وزارة الدفاع الاميركية «البنتاغون» وجوده في ليبيا. وقال معارضون انه في باب العزيزية تحديداً، بعدما تم اعتقال 3 من أولاده. الا ان قناة «الجزيرة بثت ليلا ان محمد القذافي هرب من مكان احتجازه. كما نقلت عن مصادر لم تذكر اسماءها انه تم العثور على جثتين قد تكونان لخميس القذافي ومدير الاستخبارات عبد الله السنوسي. وتوقفت قناة «الجماهيرية» الليبية الرسمية عن البث ظهر أمس مع عودة «الانترنت» الى العاصمة. وكانت قوات المعارضة أعلنت اعتقال أنجال القذافي الساعدي وسيف الاسلام ومحمد، فيما يُعتقد بان المعتصم، النجل الرابع، موجود في مجمع باب العزيزية وخميس، النجل الخامس، يقود قوة عسكرية خرجت من مجمع باب العزيزية واتجهت صوب وسط طرابلس. وقال الناطق باسم الثوار في بنغازي محمد زاوية ان «البريقة باتت تحت سيطرتنا بالكامل. قوات القذافي هربت جميعها باتجاه الغرب نحو سرت». وتقع البريقة على بعد حوالى 240 كلم جنوب غربي بنغازي بمحاذاة سواحل خليج سرت، وتبدلت القوة المسيطرة عليها مرات عدة منذ بدء النزاع. ومع تأكيد حلف شمال الاطلسي انه لم ينسق عمله في ليبيا مع الثوار. الا ان قواته لعبت دورا اساسيا في مساعدتهم للتقدم الى طرابلس وتسريع انهاء القتال. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» ان الولاياتالمتحدة كثفت في الايام الاخيرة نشاطاتها الجوية حول طرابلس مستخدمة طائرات من دون طيار مزودة اسلحة ما ساهم في ترجيح الكفة لمصلحة الثوار. ومع الدعم الذي تلقاه الثوار من دول الاطلسي قالت روسيا أمس: «نأمل أن يكون ما جرى الأحد والاثنين إيذاناً بنهاية إراقة الدماء بين الليبيين والتي استمرت فترة طويلة وجلبت الكثير من الشقاء والمعاناة لسكان البلد وألحق أضراراً خطيرة بالاقتصاد». واضافت إن دولاً أخرى يجب أن تساعد في حماية المدنيين الليبيين ومساعدتهم لتأسيس حكومة مشروعة عندما ينتهي العنف لكن يجب ألا تتدخل. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مجلس الأمن امس الى التجاوب مع الأحداث في ليبيا «ووضع خطط ما بعد النزاع». وأجرى بان اتصالات مع رئيس المجلس والدول الخمس الدائمة العضوية بهدف دفع المجلس الى إعطاء الأمانة العامة للأمم المتحدة «ولاية» لإعداد «خطط شاملة» لمساعدة ليبيا ما بعد القذافي، بما في ذلك «تواجد مراقبي سلام» في ليبيا «بالتنسيق الوثيق مع المجلس الوطني الانتقالي». وأعلن الأمين العام أيضاً أنه دعا رؤساء المنظمات الإقليمية الى اجتماع في نيويورك يأمل عقده الخميس أو الجمعة، للاطلاع والتنسيق. وتشمل المنظمات جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي. وقال بان رداً على سؤال «الحياة» أثناء لقائه مع الإعلام إن مسألة إحالة كل من معمر القذافي وسيف الإسلام القذافي وعبدالله السنوسي الى المحكمة الجنائية الدولية التي وجهت إليهم تهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ومذكرات توقيف في حقهم «مسألة يجب البحث فيها» مع السلطات الوطنية الليبية المختصة. ولمح الى أنه يحبذ أن تتخذ السلطات الوطنية قرار تسليم الثلاثة الى المحكنة الجنائية الدولية بقوله «على كامل الأسرة الدولية والدول الأعضاء في الأممالمتحدة الواجب والالتزام بالامتثال الكامل لقرارات المحكمة الجنائية الدولية وهذا في رأيي هو المسار الطبيعي». ودعا بان قوات القذافي الى «وقف العنف فوراً وإفساح المجال أمام انتقال سلس» في ليبيا. ورحب بتعهد رئيس المجلس الانتقالي «حماية الناس والمؤسسات من الأذى والحفاظ على القانون والنظام». وقالت مصادر الأمانة العامة إن مهمة المبعوث الخاص عبد الإله الخطيب ستتبدل من البحث عن حل سياسي بين القذافي والمعارضة الى «نقطة التواصل بين الأممالمتحدة والمجلس الوطني الانتقالي». وبحسب المصادر نفسها فإن «المراقبين» الذين تحدث عنهم الأمين العام ليسوا أولئك الذين تصورهم مجلس الأمن لمراقبة وقف إطلاق النار إذ أن ذلك لم يعد في المعادلة. وقالت المصادر «إن المراقبين السلميين» في ذهن الأمانة العامة سيقومون بمهمات مختلفة تساعد في بناء المؤسسات الليبية الضروري قيامها بدءاً من صوغ الدستور والقوانين. وعن محاكمة المطلوبين من أركان الحكم، قالت المصادر إن هناك قلقاً دولياً من محاكمة وطنية تنتهي بما انتهى إليه الرئيس العراقي السابق صدام حسين بإعدامه شنقاً. وأعربت المصادر عن ثقتها في حكمة المجلس الانتقالي ووصوله الى استنتاج بأن ليبيا الجديدة ستكون أفضل إذا أحالت القذافي الأب والإبن والسنوسي على المحكمة الجنائية الدولية، وإذا وجدت أن هناك آخرين قد ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية، يمكن التعاطي معهم في محاكم وطنية. يُشار الى ان القذافي اتسم بشخصية دموية وغريبة الاطوار، وقضى في الحكم 42 عاماً ارتبطت بخيامه البدوية وحرسه الشخصي المؤلف من نساء مدججات بالسلاح واستعداده لإعدام معارضيه وتحدي الغرب.