عندما ذهبت إلى البحرين بعد أيام من 14 شباط (فبراير) وبدء المواجهة بين المعارضة والحكومة، فوجئت بهتافات في ميدان اللؤلؤة تطالب بإسقاط النظام، فقد كنت أتوقع حركة سياسية لا محاولة انقلاب. وعدت الى البحرين في 15 من هذا الشهر وصُدمت بهجوم غوغاء على مقر لجنة تقصي الحقائق، التي شُكلت بطلب من الملك حمد بن عيسى ويرأسها الحقوقي محمود شريف بسيوني، وهو خبير دولي، يساعده عدد من أبرز الخبراء وأفضلهم سمعة. بين هذا وذاك، قاطعت جماعة الوفاق الحوار الوطني، وأرى أنها أخطأت قبل ستة أشهر وتخطئ اليوم. الكل يخطئ، ولعل العربي يخطئ أكثر من غيره، ثم يمتاز العربي عن الجميع بأنه لا يعترف بالخطأ، ما يعني أن يستمر فيه، لأنه يقدِّم كبرياءه على مصلحته. عندما كتبت عن البحرين قبل أيام تلقيت بريداً كثيراً، فاجأني فيه أن معارضين من أنصار الوفاق جعلوني خصماً، وأنا حتماً لست كذلك، فقد اعترضت على الأساليب، ولا أزال أعترض، إلا أنني قلت دائماً وأقول اليوم، إن للمعارضة مطالب محقة، وإنها تستطيع تحقيق بعضها عن طريق التفاوض، كما تستطيع أن تعود للمطالبة في أول فرصة في المستقبل، لأنها لن تستطيع أبداً انتزاع ما تريد بالقوة، ولن تغير النظام لتقيم ولاية فقيه تلغي الحريات الشخصية للمواطنين. في المنامة قرأت حديث السيد علي سلمان، الأمين العام للوفاق، عن غياب الديموقراطية وتغييب الإرادة الشعبية، وعن المطالبة بمجلس نواب كامل الصلاحيات وتعديل الدوائر الانتخابية وإصلاح القضاء. لن أناقشه في أي طلب له أو موضوع أثاره، ولكن أسأله: كيف يأمل أن يحقق ما يريد بالمقاطعة؟ لا أريد جواباً، حتى لا أدخل في جدال جديد، ولكن أحذّر من ان التصعيد سيقابل بتصعيد مقابل، ثم أذكّر بأن الوفاق قاطعت مبادرة ولي العهد في13/3/2011، ولا أفهم لماذا تصر على المضي في الطريق المسدود نفسه اليوم. سمعت كثيراً عن التطرف المتبادل، وسمعت أيضاً أن جماعة الوفاق قاطعت بطلب من «المرشد» عيسى قاسم، وهو إيراني الولاء عُيِّن عضواً في المجمع العالمي لأهل البيت (الايراني)، وأن هناك تنسيقاً خفياً مع جماعتي «الحق» و «وفا»، فاذا نجح تطرفهما سارت الوفاق معهما، وان فشلتا أنكرتهما. أفضل من فتاوى علي سلمان افتتاحيات منصور الجمري في «الوسط»، وهو نشط وسياسي بارز قبل أن يكون صحافياً ورئيس تحرير، وكان كلامه معتدلاً منطقياً، فمثلاً وجدته يعترض على شق القضايا الى جنح أمام محاكم مدنية وجنايات أمام محكمة السلامة الوطنية، وكانت حجته قوية، لأنه أشار الى ان المرسوم الملكي الصادر في 29/6/2011 أمر بإحالة القضايا التي لم تفصل فيها محكمة السلامة الوطنية الى المحاكم المدنية من دون أن يفرق الأمر بين الجنح والجنايات. جماعة الوفاق دانت الهجوم على مقر لجنة تقصي الحقائق، إلاّ أن الإدانة تكمل بالمبالغات والتشنج والعناد، أي ما هو سمة مواقف الجماعة منذ شباط الماضي. أزعم ان الوفاق لم تحقق شيئاً لأنصارها بمقاطعة الانتخابات سنة 2002، بتوجيه من عيسى قاسم، وأنها أنجزت الكثير عندما لم تقاطع في 2006 و2010، واحتل نوابها نصف مقاعد مجلس الأمة تقريباً. اليوم تعود الوفاق الى المقاطعة، ما يعني أن يخلف نوابَها في البرلمان ممثلون آخرون، بعضهم من أبرز الأسر الشيعية في البحرين، مثل الشيخ محسن العصفور، الذي قرأت انه في سبيل تشكيل حركة سياسية جديدة. وغداً سيحقق النواب الجدد مكاسب لناخبيهم، فيما الوفاق تقف على هامش العمل السياسي باختيارها. البحرين اليوم تحتل مركزاً طيباً في مؤشر الفساد العالمي، وتتمتع بأعلى نسبة تعليم بين دول مجلس التعاون، ودخْل الفرد فيها من مستوى غربي، مع مساحة حرية لنشاط الأفراد. والمعارضة تستطيع أن تستفيد من الموجود، وأن تستغله لتحقيق أهدافها السياسية، ولعل المعارض الذي اختار المواجهة والمقاطعة يدرك ان ثمة بدائل عنه من قلب المعارضة، والانتخابات التكميلية ستأتي بمحاورين لا مقاطعين. كانت زيارتي البحرين هذه المرة تزامنت أيضاً مع الذكرى السنوية الأولى لرحيل الصديق العزيز غازي القصيبي، الذي جمعتني به البحرين قبل عقود، وبدل أن أستعيد والأصدقاء ذكرياتنا معه، قضيت 48 ساعة في متابعة السياسة المحلية، ولكن من دون رأي الدكتور فيها. [email protected]