الرواية التي حملت عنوان" ابن طرَاق"، للروائيين بدر ومحمد السماري، هي رواية أولى ملأى بالشخصيات وبالصراعات المعلنة والخفية. إنها حقل تحالفات ومهادنات، مزروعة بشخصيات انتهازية مثل شخصية "جبل" وبلاعبين من خلف الكواليس كشخصية "فردوس"، وهناك أيضاً الصاعدون برافعة المال "كصملول" و"أبو ضاري" ومحايدين فاقدي الأمل كشخصية "طرقي" وكشخصية "فرج". كما أنها رواية تقدم نموذجا للرواية العائلية وهو النموذج المفقود في السرد المحلي. وفي هذا الحوار مع مؤلفي رواية ابن طرّاق نتعرف على تفاصيل التجربة الثنائية في كتابة رواية مشتركة . - من يقرأ رواية " ابن طرّاق " سيتوقف عند فكرة ان الرواية اشترك في كتابتها روائيان، وانهما يخوضان تجربة الكتابة الروائية لأول مرة. هذه المغامرة الكتابية في حاجة إلى الكشف عن تفاصليها، فكيف جاءت فكرة الكتابة المشتركة، وكيف تم التناغم الى الحدّ الذي بدت فيه للقارئ وكأنما كُتبت بنفسٍ سردي واحد؟ بدر: التفاصيل كثيرة حول الرواية، لكن بإمكاني القول أنها بدأت بفكرة بسيطة في إحدى الجلسات الكثيرة التي تجمعني مع محمد. تبلورت الفكرة فيما بعد لتصبح هدفاً، ووضعنا سياق العمل المبدئي أو الحكاية، ومن ثم شرعنا في الخطوط العريضة للعمل وهي ما يشكل الحبكة الدرامية، وقبل البدء في الكتابة اتفقنا على الثيمات الخاصة بالعمل لمعالجتها وتطويرها. كانت الكتابة أشبه برحلة طويلة يتناوب فيها اثنان على القيادة، فيمسك أحدهما الدفّة لبعض الوقت قبل أن يفسح المجال للآخر ليكمل القيادة. التناغم الذي قد يشعر القارئ به كان نتيجة الرؤية المشتركة نحو العمل، ومن المؤكد أننا اختلفنا كثيراً، لكننا كنّا دوماً نصل سوياً إلى نقطة التقاء، خصوصاً في ما يتعلق بالشخصيات التي كانت تقودنا لمصائرها فنمضي معها. باختصار، الكتابة المشتركة تصب لمصلحة النص وهي انتصار للرواية أكثر منها انتصاراً للروائي. بدر : المعمار الهندسي للرواية جعل من فردوس شخصية لا تُرى سوى بعيون الآخرين محمد: أنا بطبعي أعشق المغامرة، وكتابة رواية مشتركة هي إحدى المغامرات في حياتي. البداية كانت مجرد فكرة طرحت لنقاش في أحد لقاءاتنا المتعددة، وقد تحمسنا كثيراً لها وبدأنا في طرح عدة أفكار للرواية والشخصيات ومن ثم قمنا بإعداد ما هو أشبه بخارطة طريق للرواية ثم شرعنا في كتابتها واستعنّا بالبريد الالكتروني والرسائل النصية وجلسات العمل شبه الأسبوعية طيلة فترة الكتابة، والتي امتدت لمدة 14 شهراً. كنا نختلف أحيانا ولكن في بعض التفاصيل، ونتناقش حتى نصل إلى نقطة اقتناع. أما جوهر العمل فكنا متفقين عليه منذ البداية، التناغم بيننا غير مستغرب، فنحن أبناء جيل واحد واشتراكنا في الكتابة كان لصالح العمل فقد كنا نكمل بعضنا البعض. - الرواية تحمل اسم ابن طراق، والمفارقة أن هذه الشخصية تموت في أول مشاهد الرواية، لكنها تبقى مهيمنة على النص ويمتد أثرها على كل شخوص الرواية، ما دلالة موت هذه الشخصية مبكراً، وكيف تم ضبط هيمنة هذه الشخصية على أحداث الرواية؟ بدر: أوافقك جداً، أن تموت الشخصية التي تحمل الرواية اسمها في المشهد الأول هي إحدى المفارقات التي تفتح آفاق العمل. تأكد أننا لسنا معنيين بسيرة الشخص ابن طرَّاق، بل تعنينا الآثار التي امتدّت على المحيطين من حوله، أي رؤية ابن طرَّاق وأثرها الممتد، والتي ربما تكون خافية في حضوره، أو ربما تكون التصرفات خاضعة لرؤيته وفلسفته ونهجه، ولهذا جاء موته في المشهد الأول بمثابة العتق، لينير الطريق للآخرين ليتحركوا بأريحية في النص. موت ابن طرَّاق هو جزء من القصة، تحرر البقية هو جوهر القص، وهو نقطة انطلاق صراع الوجود الإنساني للشخصيات. كما أن موته هو من ضبط هيمنته على أحداث الرواية، إذ إنه بعد موته لا يُستدعى سوى لضرورة فنية عبر تيار الوعي (Stream of Consciousness) وقلق أبطال الرواية، للاتكاء على ما يحدث بعد موته، واستقراء الخطاب الإنساني لكل شخصية بعيداً عن حضور ابن طرَّاق المادي، لكن بقيَّ حضوره على الدوام في لاوعي الأبطال. محمد: موت ابن طرَّاق هو بداية تحرر من حوله من سطوته وظهور المفارقات في شخصياتهم في ظل غيابه، وهو بداية الصراع بينهم للاعتلاء إلى مكانة ابن طرَّاق كلً حسب نظرته. كما أن هيمنة شخصية ابن طرَّاق في الرواية نابعة من الأثر الذي تركه في نفس كل من كانوا حوله، فجميع المحيطين به كانوا أشبه بالعرائس في مسرح الدمى وكانت الخيوط التي تحركهم في يد ابن طرَّاق، أما بعد وفاته فقد تحولوا إلى أبطال على خشبة مسرح الرواية. بدر السماري محمد: موت ابن طرَّاق هو بداية تحرر من حوله من سطوته وظهور المفارقات في شخصياتهم - الحوار كان عنصراً مميزاً في الرواية وهو ما جعل شخصياتها تتجسد في ذهن القارئ، إلاّ أن المتأمل للغة هذا الحوار سيجد فيها فضاضة وثمة روح قاسية يتجادل بها أطراف الحوار، كما نلمح نبرة تشكيك لا تخلو من سخرية عنيفة في الوقت نفسه. وهذا ما نلحظه، على سبيل المثال، في حوار ابن طراق مع صبحي وحوار جبل مع صملول وأبو ضاري وكذلك مع فرج. هذه اللغة في الحوار هل تعود لصراع الشخصيات أم أنها ترمز لطبيعة المكان؟ محمد: هناك صراع بين الشخصيات منذ بداية الرواية وهناك اختلاف في أهداف كل شخصية ناشئ من البعد المادي والمحتوى الثقافي للشخصيات، وقد جاء الحوار كتفريغ لهذا الصراع فظهر بصورة عنيفة أحيانا وساخرة أحيانا أخرى. كما أن الحوار هو من حدّد ملامح أغلب الشخصيات في الرواية ورسَّخها في ذهن القارئ كما ذكرت. هناك حوارات أخرى مختلفة عن أمثلتك كحوار فرج ولوزية، وحوار طرقي وفرج، وجبل مع أمه. إذن، فالحوار يتحدد شكله بحسب أطرافه ومكانه. بدر: ثيمة الصراع هي التي جعلت الحوار يتخذ شكلاً حاداً في بعض لحظاته، وحين تتأمل ابن طرَّاق مثلاً سوف تجد أن الحدة تتغير حين يمارس نزواته، بل تتخذ شكلا مغايراً. أما جبل، فهو لم يطَّلع سوى على الجانب الحاد لأبيه، وبما أنه حاول محاكاة تجربة أبيه رغم عدم إلمامه بكافة تفاصيلها وأسرارها ولا بفلسفة أبيه الخاصة، فقد كانت النتيجة أنه أخفق كثيراً. لكن الحوار لا ينحصر فقط في الروح القاسية، بل سوف تجد بعض الحوارات "البوحيَّة" إن جازت التسمية، والتي تقدم روحاً مأزومة تفيض رقة، وهذا هو ربما جانب آخر من تعدد الأصوات في الحوار. دعنا نقول بشكل عام أن الشخصية ومكان الحوار هما من يضبطان تعدد الأصوات وطبيعة الحوار أو نبرته. - عندما نتأمل الرواية السعودية نلحظ غياباً للرواية العائلية. فالروائي السعودي في الغالب يوظف أفراد عائلة البطل توظيفاً ثانوياً لخدمة شخصية البطل فحسب. وفيما عدا رواية "البحريات" لأميمة الخميس، التي قدمت الشكل العائلي في الرواية فلا تحضرني رواية أخرى قبل أن أصادف هذا البعد وقد استعاد حضوره في رواية ابن طراق. ماهي رؤيتكما لهذا النموذج العائلي في كتابة الرواية؟ محمد: النموذج العائلي في كتابة الرواية قد يكون هو الأصعب، إذ يحتاج لترابط الشخصيات والمحافظة على حضورهم في الرواية بما يتوازى مع تأثير كل شخصية على الأحداث كما أن الرواية العائلية تحتاج إلى نفس طويل في الكتابة لكي تصل كل شخصية إلى ذهن القارئ كما ينبغي. وقد تكون الكتابة المشتركة هي سر تمكننا من كتابة رواية ممتلئة بالشخصيات والأحداث ومترابطة مع بعضها البعض بما يخدم النص. بدر: أتفق مع هذا الطرح، الرواية العائلية تشكل أكثر من رواية في رواية واحدة، وغالباً ما تكون ذات إيقاع سريع، كما أنها تحتاج لضبط إيقاع كل شخصية على حدة كي لا تطغى شخصية على أخرى. كما يجب الانتباة لأمر مهم، ثمة أزمة مأزق مصير أبطال الرواية، وهناك أزمة وجود العائلة في الرواية وهي المظلة أو الدائرة الكبرى المحيطة بأبطال الرواية، ولا يمكن فصل مصير أحد الأبطال عن هذه الدائرة الكبرى وفي سياقها العام. في رواية "البيت الصامت" لباموك على سبيل المثال، سوف تجد مجموعة من الأفراد وكل فرد منهم يتحرك بحسب مأزق وجوده ومصيره، لكنه يظل متصلاً بالدائرة الكبرى. الأمر يشبه كثيراً عزف مقطوعة موسيقية بفرقة أوركسترا كاملة، ليس هناك عزف منفرد أو ثنائي أو حتى تخت شرقي بسيط، بل فرقة هائلة من العازفين والكورال يديرهم قائد أوركسترا، المسرح المليء بالموسيقيين ينبغي أن يكون على قدر كبير من الانسجام والتناغم. كونديرا يقول؛ "روح الرواية هي روح التعقيد، إذ تقول الرواية للقارئ، إن الأشياء أكثر تعقيداً مما تظن". وأقول إن هذا يتجلى بوضوح في الرواية العائلية. - إذا كان ابن طراق يمثل الغائب الحاضر في الرواية فإن شخصية جبل، في المقابل، تمثل الشخصية الأكثر حضوراً في الرواية، لكنه حضور لشخصية سلبية، متأرجحة، تفتقد إلى الكاريزما، وفي تصوري فإن مثل هذه الشخصية السلبية تمثل حالة إيجابية من الناحية الفنية. وأعتقد أن شخصية بمثل تميز شخصية جبل تستحق أن نتعرف على كيفية رسم ملامحها. وأي نموذج يمكن أن تمثله؟ بدر: أنت تقول إن ابن طرَّاق هو الغائب الحاضر، وبإمكانك أن تقول إن جبل هو الحاضر الغائب. شخصية جبل تمثل شخصية جيل كامل نشأ على الرأي الواحد، ولم ينشأ على حرية التلقي والتعلم. الناس هم من أرادوا لجبل أن يكون بديلاً لابن طرَّاق، إذ لم يكن ذلك خياره وإن كان يتوق له، الأيام فقط هي من يأتيه بالجديد، ولهذا ربما بدت شخصيته متأرجحة، لم يتعلم أو يتدرب على حرية التلقي، وظل كشخصية لا تجيد قراءة الأحداث، وربما لا تعرف كيف تتصرف مع توالي الأحداث. جبل كان في ورطة ما، ومأزق لم يختره، وليست مهمتي كروائي أن أحاكم جبل في النص، أو أن أختبر ما يفعله جبل على لوح القيم والأخلاق. كان من الواجب أن تكون شخصية جبل مستقلة، وألاّ نصرّح بإحكامنا الشخصية، القارئ هو من يقرر، ولا يجب أن نزعجه في هذا الأمر. غلاف محمد: جبل يمثل جيلاً كاملاً من أبناء الرأسماليين ذوي الشخصيات الدكتاتورية، فجيل جبل هو ممن انحصرت حياتهم في تقليد آبائهم تارة وتقليد من حولهم تارة حتى أصبحوا أشبه بالمخلوقات الهلامية، وهذا نتيجة لأسلوب التربية المتبع معهم والذي يحصرهم في أدوار تنفيذ ما يطلب منهم دون إعطاء الفرصة لهم للتجربة والتعلم لكي يتمكنوا من إكمال ما بدأه آباؤهم فهم تعودوا على تلقي الأوامر وليس على إصدارها. كما أن الجميع كان يريد من جبل أن يكون نسخة أخرى من ابن طرَّاق فيما جبل نفسه لم يكن يعلم ماذا الذي يريده هو. أي إن جبل مارس التنفيذ لرغبات من أرادوه ابن طرَّاق آخر ولم يفكر أن يصبح شخصية مستقلة كما ينبغي. - في الرواية نجد نموذجين للحضور النسائي. فنموذج نساء المنزل حضورهن محدود فيما عدا فردوس، والنموذج الآخر تجسّد في نساء اللذة، وحضور هؤلاء الأخيرات صاخب وقد صاحبه تركيز على جانب اللذة. هل كان هناك تعمد في أن يكون حضور الشخصيات النسائية بهذه الصياغة أم أن الأمر جاء عفوياً؟ بدر: لنعد للثيمة الأكثر حضوراً في العمل، الصراع الإنساني ومأزق الوجود للمتصارعين. فردوس كانت هي الشخصية الوحيدة التي زجت بنفسها في هذا الصراع، وقد أقول إن شخصية مثل ليلى ولوزية كان بإمكانهما الدخول في الصراع، لكن هؤلاء مضوا إلى مصائرهم، على العكس من فردوس. الفرق أن المعمار الهندسي للرواية جعل من فردوس شخصية لا تُرى سوى بعيون الآخرين، حتى أكثر من منتصف الرواية، وكانت هذه إحدى تقنيات القص، وحين ثَبُتَ أنها دخلت الصراع الإنساني علا صوتها.. تأمل حضور زوجة جبل المقتضب، والتي اعترضت على سرد الرواية، قالت لكنها لم تفعل شيئا سوى أن تبقى في الهامش. الحضور النسائي خارج الدائرة العائلية، جاء كاشفاً لحضور أبطال الرواية، جاء بما تقتضيه رغبات أبطال الشخصية. محمد: جاء الحضور النسائي في الرواية من خلال أعين الشخصيات الرجالية فمنهم من يراها زوجة فقط ومنهم من يراها للذة فقط ومنهم من يراها الحبيبة فقط، وهم من يحدد مساحة كل شخصية في حياتهم. كما ان الشخصيات النسائية تظهر حسب ما يتطلبه حضورها في حياة الشخصيات الرجالية ودون محاولة للدخول في صراع هذه الشخصيات أما فردوس فهي من رفض البقاء متفرجاً وقررت الدخول في هذا الصراع فخرجت للقارئ وأفصحت عن هويتها ورسمت شخصيتها كما تريد هي. - لاحظت أن شخصية جبل تم التعامل معها منذ البداية بطريقة تشبه الفضح لكل نواقصها وعيوبها وطموحاتها بينما في الجانب الآخر تم التضليل على شخصية فرودس وهي الشخصية الموازية لشخصية جبل، فحظيت فردوس بالمواربة السردية في كشف ملامح شخصيتها بينما كان جبل مكشوفا منذ بدايات الحكاية. كيف تقرأ هذه الثنائية بين الشخصيتين في الفضح والمواربة؟ بدر: جبل كان حضوره واضحاً منذ بدء الرواية، الناس هم من جعلوا جبل يأخذ مكان ابن طرَّاق، ولهذا وضع تحت المجهر منذ اللحظة الأولى، وظلَّ يقود الكثير من الأحداث.. بالمقارنة مع فردوس، تذكر أن فردوس غيرت نهجها بعد مدة من وفاة ابن طرَّاق، عوَّلت في البدء على جبل مثل بقية الناس، وحين شقت طريقها بنفسها، وُضعت تحت المجهر.. المعضلة للقارئ هنا أن الرواية قطعت شوطاً طويلاً دون أن تظهر فردوس إلاّ عبر عيون الآخرين، حتى أن القارئ ربما شرع برسم نهايتها بما سمعه عنها من أفواه أبطال الرواية. حين علا صوتها، وتجلت في القص ووضعت تحت المجهر، اكتملت شخصيتها الروائية حتى نضجت وصولا للفصل الأخير. إجمالا؛ أكثر من شخصية تناوبت على قيادة الرواية، ولنقل أن كل فصل تميز بقائد مختلف، تماما مثلما يتجلى في الحياة. محمد: دائما الناس تنتظر من الابن الأكبر أن يكون خليفة لوالده ولا تنتظر أي امرأة لكي تخلف رجلاً ما وهنا السر في أن جبل كان تحت أنظار الجميع منذ أول يوم لوفاة والده، والتواجد المستمر تحت الأنظار هو من فضح جبل وعراه أمام الجميع فالكل ينتظر أن يبدر أي تصرف من جبل لكي يقارن بينه وبين والده. أما فردوس فقد بقيت خلال هذه الفترة تخرج للقارئ من خلال عيون المحيطين فقط، ولكون فردوس امرأة مغايرة فقد تمكنت من لفت الأنظار إليها والخروج من هذه الدائرة وإبراز شخصيتها الحقيقة رويداً رويداً، حتى اكتملت في الفصل الأخير وقدمت نفسها كنموذج مختلف عن باقي النساء في منزل ابن طرَّاق. - في نهاية كل فصل يتجلى صوت سردي ما. مرة صوت الراوي، ومرة صوت إحدى الشخصيات. هل هذا اللعبة السردية هي عين كاشفة للنص أم عين راصدة لما يحدث في الحكاية، أم هي لضبط بُنية الحكاية؟ بدر: سمها ما شئت، هي عين كاشفة وعين راصدة وهي عين لضبط الحكاية أيضاً، هي شهادة إحدى الشخصيات، وربما بوحه الذاتي وتارة مرافعته ضد الوقائع. هي كل هذا وذاك، وهي كذلك محاولتنا لاستنطاق الشخصيات الروائية. الروائي في كل الأحوال يستخدم حيلاِ كثيرة لسرد نصه. محمد: هي جميع ما ذكرت بالإضافة إلى أنها استنطاق للشخصيات وكشف لما بداخلها، وكما ذكرت، فإنها لعبة سردية لسرد الحكاية بجميع صورها من خلال بوح الرواة وبوح الشخصيات كما انها إجابة لكل التساؤلات التي قد تدور في ذهن القارئ ولم يجد إجابتها في السرد وقد شكلت إضافة ومتعة للقارئ وهذا هو الأهم. - لاحظت بأن كل فصل من الرواية يعتمد على مشهد رئيسي. ومن خلال هذا المشهد تتداعى أحداث الحكاية. هذا التكنيك هل هو للم شمل الشخصيات في فضاء مكاني محدد بحيث يسهل التعامل، بالتالي، مع تعدد الشخصيات في النص؟ بدر: هذه ملاحظة مهمة جدا، والمكان الرئيسي في كل فصل هو ببساطة حين تلتقي شخصيات عديدة في الرواية كالمقبرة، والمخيم، والمحكمة. ما حدث أنه في لقاء شخصيات متعددة يتفجر الموقف الدرامي، وتتداعى الكثير من الأحداث. هي مكان الصراع في الرواية، ولهذا قد تبدو جميع الأماكن مهيأة لهذا الصراع حتى المقبرة. محمد: المشاهد الرئيسية في كل فصل تجمع الشخصيات من خلال السرد في كل فصل أي أن هذه المشاهد هي جزء من سرد الرواية وهي التي تتفجر من خلالها الأحداث المتتابعة والصراعات المستمرة وهي التي تكشف الشخصيات وما بداخلها للقارئ . - بينما عنوان الرواية وكذلك صورة الغلاف تأخذ البعد الشعبي ، إلا أن القارئ سيشعر بأنه تورط في نص جاد سواء على مستوى سرد الحكاية أو على مستوى اللغة. كيف تتم قراءة هذه المفارقة بين عنوان وغلاف الرواية وبين إيقاعها السردي الجاد؟ بدر: لا أخفيك أنني أميل كثيراً إلى البعد الشعبي في مصافحة القارئ وكان ذلك مأخوذاً في عين الاعتبار، الرواية تخاطب الجميع بمضونها، لا تختص بالنخبة أو بالجادين بحسب وصفك بالرغم من إيقاعها السردي الجاد. أنا مؤمن أن النص النخبوي نص فشل في الوصول للجميع، وأعتقد أن القارئ الذي يقرأ رواية للمرة الأولى سوف يستمتع بهذه الرواية وكذلك القارئ المتخصص. الرواية صالحة لكليهما والرهان هنا على مستوى القراءة لدى كل قارئ. أعتقد أن الرواية الجيدة بشكل عام قادرة على صنع مستويات قراءة متعددة لكافة أطياف القراء. محمد: الرواية كتبت لجميع المستويات، فكل قارئ سوف يجد متعته في رواية ابن طرَّاق، أي إن الرواية قريبة من القارئ العادي ومن القارئ النخبوي وهذا ما كنا نسعى له و نحرص عليه منذ بداية العمل، أن نقدم عملاً قريباً من جميع الأذواق وأن يشعر كل قارئ بأن هذا العمل كتب له هو لكي يستمتع في قراءته للرواية ولا يشعر بالملل وهي معادلة صعبة يمكن أن ترهق الكاتب. - في كل فصول الرواية كان طارق يمثل الشخصية النائمة، لكن هذه الشخصية هي من ختمت الرواية. لماذا جعلتما طارق هو من يتصدى لإقفال المشهد الأخير من الرواية؟ محمد: طارق صوت جديد ولا يوجد لديه أي تراكمات قد بنيت خلال النص في ذهن القارئ، لهذا فهو الأنسب ليتصدى للمشهد الأخير كما أنه هو الأمل القادم لعائلة ابن طرَّاق، وفي هذا المشهد خصيصاً هو أفضل من يصف شعور الإبن الذي يرى أمه وهي تتصابى أمامه بعد أن كانت محصورة في صورة الأم فقط. بدر: المشهد الأخير خضع لعدة سيناريوهات سردية ليس فقط لصوت السارد "طارق" ولكن حتى لمكان (الكاميرا) الافتراضي الناقل للسرد وتذكر معي وقوف طارق خلف الستارة. اختيار صوت طارق، الصوت الذي لازم الصمت معظم وقت الرواية لأنه الصوت الذي لم يسمع خلال الرواية، كان بمثابة العدسة الشفافة لنقل ما جرى دون رتوش وبلا أي تصور مسبق للقارئ بكل شفافية طارق. لاحظ أن القارئ يشكل عادة قناعات كثيرة للشخصيات الروائية، ومن المهم أن يمضي المشهد الأخير بصوت طازج.