مع دخول دبابات الجيش السوري امس، المزيد من المدن في اطار مساعي السلطات السورية إنهاء حركة الاحتجاجات بأي ثمن، في ضوء ما يبدو انه «تنسيق» متزايد من القوى الدولية للضغط على دمشق لإجبارها على إيجاد تسوية سياسية للأزمة الحالية، قال ديبلوماسيون غربيون إن الايام المقبلة ستكون «حاسمة» في المواجهة بين قوى الامن والمتظاهرين العزّل الذين دفعوا حتى الآن ثمناً باهظاً للاستمرار في التظاهر، كما انها ستكون حاسمة في ما يتعلق بعنصري الوقت والخيارات بالنسبة الى دمشق... والمجتمع الدولي ايضاً. وأوضح مصدر غربي لإذاعة «بي بي سي» البريطانية ان تصعيد السلطات السورية نطاق حملتها الامنية «رسالة مفادها ان الوقت امام السلطات السورية بات ضيقاً. والخيارات ايضاً ضيقة: فإما انهاء التظاهرات والحركات الاحتجاجية، سواء بحل سياسي او باستخدام العنف، او مواجهة مصير سيئ». وأشار إلى ان تصاعد الضغوط الدولية على دمشق «لا يبدو انه دفع المسؤولين السوريين حتى الآن إلى تغيير طريقة تعاملهم مع الازمة، بل على العكس، كثفوا حملة الرعب ضد المدنيين». وعلى رغم ان الولاياتالمتحدة عززت الاسبوع الماضي عقوباتها على دمشق، وتحدثت بلهجة، هي الاشد، منذ الازمة عن ان «سورية ستكون افضل حالاً من دون الاسد»، إلا ان «اوراق اللعبة» ليست غالبيتها في يد اميركا، كما قالت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون، قبل ايام، مشيرة الى الحاجة الى دور اوروبي - عربي اكبر. وفي مؤتمر صحافي عُقد يوم الخميس الماضي، تحدثت وزيرة الخارجية الاميركية باستفاضة عن حملة القمع التي تشنها الحكومة السورية على المحتجين، لكنها تحفظت عندما وجّه اليها صحافي سؤالاً مباشراً عما اذا كان يجب على الرئيس السوري ان يترك السلطة. وقالت كلينتون: «اعتقد انني قلت كل ما يمكنني ان اقول. انتمي الى مدرسة ان للأفعال صوتاً اعلى من الأقوال». وترك ذلك بعض المراقبين يتساءلون عن موقف واشنطن «الحقيقي» من الاسد. ويقول محللون ومسؤولون اميركيون سابقون ان البيت الابيض لم يطالب في واقع الامر الأسد بالتنحي «لأنه لا يمتلك وسيلة تحقيق مثل هذا الطلب». وإذا كانت واشنطن «غير قادرة»، فإن الآخرين، خصوصاً الاوروبيين لن يتحركوا في هذا الملف بمفردهم، بالذات في ضوء الازمة الاقتصادية الدولية الراهنة التي تركت اميركا وأوروبا «مكشوفتين». فواشنطن التي تصارع ازمة مالية، لا تمتلك القوة العسكرية الفائضة لإطاحة النظام السوري بالقوة، ولا النفوذ الذي اعطتها اياه في مصر سنوات من العلاقات العسكرية او التحالف الدولي الذي ايد الضربات الجوية على دعائم سلطة القذافي. ويقول اندرو تابلر من معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى ومؤلف كتاب عن سورية سيطرح قريباً في الاسواق ان مطالبة زعيم بأن يرحل «تقال عندما يكون النظام على وشك الانهيار». وقال مسؤول اميركي سابق له علاقات وثيقة بالادارة ان مسؤولين داخل ادارة اوباما يؤيدون الموقف الحذر يجادلون بأنه «اذا قلنا ان (على الاسد ان يرحل) وارتفع عدد القتلى، ألن ينظر (ساعتها) الينا على اننا ضعفاء» بلا تأثير. وأضاف المسؤول السابق لوكالة «رويترز»: «في نهاية اليوم ماذا يمكننا ان نفعل.... لن نقصفه». ويقول المحللون ان الخطوط الاساسية لسياسة واشنطن حيال دمشق يمكن تلخصيها بثلاث محطات أساسية، هي: في خطاب موسع عن الشرق الاوسط في 19 ايار (مايو)، اشار الرئيس الاميركي باراك اوباما الى انه لا يزال يرى بعض الامل في الرئيس السوري، قائلاً ان على الاسد ان «يقود انتقالاً (الى الديموقراطية) او يفسح الطريق». لكن بعد شهر واحد ومع زيادة حدة الازمة، قال وزير الدفاع في ذلك الوقت روبرت غيتس ان شرعية الاسد «عرضة للتساؤل». وبعد يومين فقط في 12 حزيران اعلن البيت الابيض ان «شرعيته كزعيم تبددت بالفعل»، ثم قال الناطق باسم البيت الابيض جاي كارني: «سورية ستكون افضل حالاً من دون الاسد». كما تعد الادارة عقوبات على قطاعي النفط والغاز في سورية اللذين قال تابلر انهما يمثلان ما يتراوح بين ربع وثلث الدخل الحكومي. ويقول الخبراء ان مثل هذه العقوبات من غير المرجح ان يكون لها تأثير كبير من دون مساهمة قوية من اوروبا التي تشتري اغلب صادرات الطاقة السورية. وكانت فرنسا اكثر الدول الاوروبية وضوحاً في اعلان ان النظام السوري فقد شرعيته، من دون ان تعلن صراحة وفي شكل لا يقبل الجدال «ان على الاسد الرحيل الآن» كما فعلت العواصمالغربية مع رؤساء سابقين في المنطقة. ويقول محللون ان اوروبا وأميركا اقتربتا اكثر من «نقطة اللاعودة» من دون ان «تصلاها فعلياً». وعلى مستوى اعمق يرجع تردد واشنطنوالعواصمالغربية في مطالبة الاسد بالرحيل في ما يبدو الى الخوف مما قد يحدث بعد ذلك في دول مهمة من الناحية الجغرافية ويسكنها خليط عرقي وطائفي. ومما يعزز هذه المخاوف على الارجح المشهد في ليبيا حيث فشلت المعارضة التي دعمتها في البداية بعض الحكومات الاوروبية ثم الولاياتالمتحدة في الاطاحة بالقذافي وهي الآن منقسمة الى فصائل متشاحنة. وكل ذلك يترك انطباعاً بأن اوباما وكلينتون لا يعارضان بقاء الاسد اذا كان من الممكن بقاؤه لمجرد فترة قصيرة اخرى يجرى خلالها ترتيب انتقال سلس للسلطة. ويقول آخرون ان الدرس في ليبيا مختلف حيث يظهر انه اذا انتظر المجتمع الدولي لفترة طويلة قبل التحرك فإن ذلك يجلب الفوضى. وكما تتوقف مسارات الازمة على الافعال الغربية، فإنها تتوقف كذلك على سلوك النظام السوري وجديته في الاصلاح وقدرة الرئيس السوري على ارضاء الجناح المتشدد في المؤسسة الامنية والاصلاحيين على حد السواء. ورسمت صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية امس في تقرير لها حول الرئيس السوري إنه «كان دائماً شخصية يصعب رسم ملامحها إذ إنه شخص صعب المراس على رغم ذكائه». وقالت الصحيفة في تقريرها إن الأسد وعد مراراً وتكراراً بتطبيق إصلاحات، لكن قوات الأمن ردت على المحتجين باستخدام اقصى درجات العنف. وتساءلت الصحيفة: «هل سيغير الأسد أخيراً أسلوب إدارته للأمور في ظل قول واشنطن وموسكو إن عليه أن يتغير». وقالت: «الأسد ألقى خطاباً في نيسان الماضي حافلاً بالكلمات الجميلة عندما كانت الاحتجاجات تغير ملامح منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». وتحدث الأسد في ذلك الخطاب عن ضرورة توفير «الشفافية» و «سد الفجوة بين مؤسسات الدولة والمواطنين السوريين»، مشيراً إلى ضرورة إجراء «إصلاح» ولا سيما في المجال الاقتصادي والحاجة إلى احترام «كرامة» المواطنين السوريين. وتواصل الصحيفة قائلة إن الرئيس السوري تحدث أيضاً عن ألمه «بسبب الدم المراق». لكن «الأوبزرفر» تقول إن الأسد «تأخر يومين» قبل أن يلقي خطابه الذي قضى الليل في صياغته بينما كانت قواته الأمنية في صدد إنهاء عملياتها في اللاذقية ودرعا بصفتهما مركزي احتجاجات المعارضة في ذلك الوقت. وتقول الصحيفة نقلاً عن أيمن عبدالنور الذي كان عضواً في حزب البعث الحاكم وتحول في ما بعد إلى داعية إصلاح: «لقد تلقى تقريراً من رئيس جهاز المخابرات والجيش يقول فيه: أنهينا المهمة. كل شيء هادئ. نحن المنتصرون». وترى الصحيفة أن أكبر نجاح حققه الاسد قبل اندلاع الاحتجاجات يتمثل في إقناع الصحافيين والأكاديميين والديبلوماسيين بأنه منفتح على إمكانية قبول التغيير وإجراء إصلاح حقيقي. لكن ذلك لم يتحقق، إذ ان الازمة الحالية شكلت اكبر تحدٍ يواجهه حتى الآن.