انتهت أضخم أزمة واجهت تراتبية الجيش التركي، بتفاهم بين الرئيس الجديد للأركان الجنرال نجدت أوزال ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، يقضي باعتراف العسكر بسيادة الحكم المدني عليه، في مقابل احترام الحكومة التراتبية العسكرية والنظام الداخلي للجيش. واتفق الجانبان على عدم إقصاء 14 جنرالاً متهمين في قضية تحريض إعلامي على الحكومة، أو احالتهم على التقاعد، كما كانت تطالب الحكومة، بل اكتُفي بتجميد وضعهم ليبقوا في مناصبهم، ولكن مع حرمانهم من الترقية ومراجعة وضعهم العام المقبل، أو بناءً على ما ستنتهي إليه الدعوى في المحكمة. كما شغلت الأسماء التي كانت مرشحة سلفاً لتولّي قيادة الجيش في هيئة الأركان، مكانها من دون اعتراض، في ما اعتُبِر بادرة مساندة من الحكومة لأوزال ومحاولةً لنفي سعيها الى فرض نفوذها المطلق على الجيش، وهذا يثير قلق العلمانيين، واحتراماً لمبدأ التراتبية العسكرية. وتولى الجنرال خيري كيفريك أوغلو قيادة القوات البرية، على رغم رفضه استقبال الرئيس عبد الله غل وزوجته المحجبة خير النساء، لدى زيارتهما قبرص العام 2009، والأميرال مراد بيلغال قيادة القوات البحرية، والجنرال مساعد محمد ارتان قيادة القوات الجوية، والجنرال بكير كاليونجو قيادة الدرك، وهو بذلك أصبح المرشح الأقوى لخلافة أوزال العام 2015. وعُيّن الجنرال أصلان غونر الذي كان مرشحاً لقيادة القوات البرية، رئيساً للأكاديميات العسكرية. ويُعتقد بأن رفضه مصافحة زوجة غل، أعاق تبوّءه المنصب، إذ أنه أرفع رتبة من كيفريك أوغلو. وتولى قائد جيش بحر إيجه، الجنرال نصرت تاشديلير، قيادة التعليم، على رغم صدور مذكرة اعتقال بحقه، مع 21 آخرين، بسبب مزاعم حول تأسيس الجيش مواقع الكترونية مناهضة للحكومة. كما أحيل على التقاعد الجنرال سالديراي بيرك الذي كان مرشحاً محتملاً لقيادة القوات البرية، وقد يُحاكم للاشتباه في عضويته في تنظيم «أرغينيكون» الانقلابي. ويشير مقربون من أردوغان الى أنه يريد، من خلال هذه التسوية، تأكيد احترامه الجيش ورأيه، طالما بقي هذا الرأي في إطار التوصية وليس فرضاً لأمر واقع. كما نال رئيس الوزراء ما أراده، وهو حرمان المتهمين بالتورط بمؤامرات انقلابية، من أي ترقية في الرتب أو المناصب العسكرية. والأكثر أهمية أن الرئيس الحالي للأركان سيعمل خلال السنوات الأربع المقبلة، لإعادة ترتيب الجيش في شكل تدريجي ينسجم مع مطالب الحكومة بتصفية الراديكاليين والانقلابيين، وإنشاء آلية محاسبة ومراقبة داخلية. واعتُبرت هذه التسوية ضربة لرئيس الأركان المستقيل الجنرال إشق كوشانير الذي خسر منصبه من دون مقابل، بعد إبداء الحكومة مرونة في تعاملها مع خلفه، وهذه إشارة أخرى تريد الحكومة من خلالها التشديد على أن خلافها ليس مع المؤسسة العسكرية، بل مع أفراد وقادة محددين. واختُتم اجتماع مجلس الشورى العسكري التركي بإفطار جماعي دعا إليه غل الذي صادق على لائحة الترقيات بعدما وقّعها أردوغان، وأعلنها للمرة الأولى المستشار الصحافي للقصر الجمهوري، بعدما كانت رئاسة الأركان تحتكر هذا التدبير. كما لوحظ عدم إقصاء أي عسكري عن الجيش، بسبب اتهامات سياسية أو عقائدية. وكانت حكومة اردوغان تعترض كل سنة، على إقصاء رئيس الأركان عسكريين، بسبب انتماءاتهم الدينية. في غضون ذلك، أعرب السفير الأميركي في أنقرة، فرانسيس ريكياردوني، عن «ثقته الشديدة» بأن الأزمة التي عصفت بقيادة الجيش التركي لن تؤثر في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة. وقال خلال جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي: «نتطلع الى العمل مع القيادة (العسكرية) الجديدة. العلاقات الأمنية تتخطى الأفراد، وتستند الى مؤسسات. تركيا دولة قانون ومؤسسات قوية ذات طابع مستديم، على رغم أنها في حالة ديناميكية وتغيّر».