مع بدء شهر رمضان، باتت تفاصيل الخريطة الدرامية واضحة على الشاشات، وتزامناً مع هذا الوضوح، بل وقبله، ارتفعت أصوات سورية، لعل أبرزها صوت المخرج نجدة أنزور، تقول إن ثمة مقاطعة للدراما السورية في هذا الموسم الرمضاني، وإنها تحتاج إلى «خريطة طريق»، بحسب أنزور، للاهتداء إلى الفضائيات. لا احد يستطيع أن ينكر أن مساحات الظهور الدرامي السوري في هذا الموسم تراجعت عن تلك الشاشات، خصوصاً الفضائيات الكبرى مثل «ام بي سي» و «دبي» و «أبو ظبي»... وإزاء ذلك، استعان صناع الدراما السورية بفضائيات أقل شهرة، كنوع من التعويض عن الخسارة الممكنة. لكن السؤال الجوهري هنا: هل ثمة مقاطعة متعمّدة لتلك الدراما على خلفية الأحداث التي تشهدها سورية؟ الأرجح أن هذه الرؤية خاطئة، فالبحث عن انحسار الدراما السورية يقودنا إلى أجوبة أخرى تقلل، إن لم نقل تلغي، حديث المقاطعة. لم يتجاوز عدد الأعمال السورية هذا الموسم الثلاثين عملاً، وهي حصيلة وإنْ بدت معقولة، لكنها قليلة قياساً إلى سنوات ماضية، والعدد القليل يقلص فرص الانتشار. الأمر الآخر أن ثمة أزمة مالية لجمت جموح الفضائيات في دفع أسعار «خيالية» كانت تدفعها في السنوات الماضية، وعندما وجد صناع العمل السوري أن هذه الأسعار تراجعت كثيراً في الموسم الأخير، لم يجدوا تفسيراً سوى الحديث عن «مقاطعة خفية». والأهم مما سبق هو أن الفضائيات التي باتت تخوض تجربة الإنتاج الدرامي بنفسها، تعطي أولوية العرض للأعمال التي ساهمت في إنتاجها، وهذا إجراء طبيعي. ولا بد كذلك، من الإشارة إلى أن ثمة دراما أخرى راحت تزاحم الدراما السورية، فإذا استثنينا هنا المنافسةَ الدرامية المصرية التقليدية، سنجد أن الدراما الخليجية باتت تمتلك مقومات الانتشار والنجاح وإمكان المنافسة، يضاف إلى ذلك استمرار حضور الدراما التركية المدبلجة على رغم تراجع السطوة التي فرضتها في البدايات. لهذه الأسباب وغيرها، فإن حديث المقاطعة هو مجرد وهم لا أساس له، خصوصاً ان الذهنية التي تسيّر تلك الفضائيات ذهنية اقتصادية تبحث عن الربح، وطالما حققت لها الدراما السورية ذلك، فإن الأخيرة ستكون موضع ترحيب. لكن الملاحظ أن هذه الدراما فقدت بريقها، ومع خفوت هذا البريق، الذي يعزى لأسباب عدة ليس هنا مجال الخوض فيها، فمن البديهي أن تبحث القنوات الفضائية عن خيارات ومنابع جديدة تروي عطش مشاهديها. وإذا أراد الدراميون السوريون أن يحتلوا موقعاً متقدماً مجدداً ضمن الخريطة الدرامية الرمضانية، فعليهم الاجتهاد ضمن الفن الدرامي ذاته، لا البحث عن حجج غير درامية. وأخيراً، لو كانت المقاطعة حقيقية، لجهرت الفضائيات المقاطِعة بذلك لتسجل موقفاً، ولتغلق الباب أمام تأويلات خاطئة.