هبط الإنتاج الدرامي السوري في الموسم الحالي إلى النصف قياساً إلى السنة الماضية التي بلغت حصيلتها نحو 50 مسلسلاً، بينما لم تتجاوز الحصيلة نصف الرقم المذكور في هذا الموسم، فضلاً عن أن هذه الحصيلة، القليلة على أية حال، لم تموّل برساميل شركات الإنتاج السورية بمفردها، بل ثمة شركات وفضائيات عربية ساهمت، بنسب متفاوتة، في إنتاج غالبية هذه الأعمال. فما هي مؤشرات هذا الهبوط «الكمي» المريع؟ المبرر الأول الذي سيتبادر إلى الذهن هو الأزمة الاقتصادية العالمية، ولئن كان هذا المبرر يحمل مقداراً من الصواب، ولكن يصعب اختزال الأسباب في هذه «الأزمة» فحسب، بدليل أن مسلسلاً مثل «باب الحارة» الذي تنتجه جهة غير سورية كانت انتهت من المسائل المالية قبل نشوب الأزمة، لم ينجُ من كيل الاتهامات المتبادلة، والتصريحات النارية، وانسحاب هذا الممثل، ودخول ذاك...إلى غير ذلك من السجالات التي تقود المراقب للبحث في مكان آخر عن سبب هذا «التراجع العددي» للدراما السورية. فإذا استثنيا القطاع العام، المتمثل في دائرة الإنتاج في التلفزيون السوري، من هذا الانحدار الدرامي، ذلك أنها لم تلعب دوراً يذكر في نجاح الدراما السورية، بالتالي لا يمكن أن نحملها مسؤولية الإخفاق، فسنجد ان شركات الإنتاج الخاصة التي يسجل لها النهوض بالدراما السورية كماً ونوعاً، تتحمل جزءاً من المسؤولية. فبعدما حققت أرباحاً طائلة خلال العقدين الماضيين، بدأت تفرض شروطها، وتتدخل في النصوص، وفي اختيار الممثلين، وفي عمل المخرج وربما في عمل الماكيير ومصمم الديكور والأزياء... ما يعني أن شركة الإنتاج تجاوزت وظيفتها الرئيسة المتمثلة في تمويل العمل فحسب، وراحت تنصِّب نفسها مستشاراً فنياً لكل تفاصيل العمل. ومن الطبيعي، عندئذ، أن يتذمر العاملون في المجال الدرامي، وان يتراجع الإنتاج ليس كماً فحسب، بل ونوعاً كذلك. والواقع أن العاملين في الدراما، وبعدما انتبهوا إلى هذا «الترحيب الفضائي العربي» بالدراما السورية، أخذوا يطالبون بشروط إنتاج تتناسب مع تلك النجاحات، وبزيادة الأجور، فاضطرت الشركات، آنئذ، إلى إلغاء مشاريع أو تأجيل بعضها في أحسن الأحوال، أو اللجوء إلى حل ثالث تمثل في الاستعانة بمخرجين وفنيين مبتدئين، وممثلين هواة، بغرض تقليص التكاليف. إذاً، لم تعد الدراما السورية تتمتع بذلك البريق الذي جعل اللهجة الشامية مألوفة من طنجة إلى دبي، إذ كانت المسلسلات السورية تحتل الشاشات على نحو لافت، إلى أن دخلت المنافسة، قبل سنوات قليلة المسلسلات الخليجية، ناهيك بالمصرية، وبدأت مساحة البث تتقلص أمامها، ولعل ذلك يعد بذاته سبباً آخر في لجم جماح الشركات السورية الخاصة نحو «البذخ الإنتاجي»، فارتضت بالقليل، ولسان حالها يردد: «تعيِّرنا أنّا قليلٌ عديدنا/ فقلتُ لها: إنَّ الكِرامَ قليلُ»!.