طغت على الشباب خلال الأعوام الأخيرة ثقافة العمل «الموقت الصيفي»، بعد أن كانت هذه التجارب «حكراً» على طلبة الدول الغربية، وبعض الدول العربية. فيما اقتصرت تجربتها في السعودية على الطلاب الذين يمارسون العمل الصيفي في الشركات والمؤسسات العائلية الخاصة بهم تمهيداً لتولي أعمالها مستقبلاً، أو على الشباب في مناطق السياحة الصيفية، مثل مكةالمكرمة والمدينة المنورة والطائف ومدن الجنوب. إذ يعمل الشبان هناك في منتجات هذه المدن أو في إيصال السياح إلى مقاصدهم السياحية. غير أن تفتّح المجتمع وتغيّر النظرة إلى عمل الشباب، أوجد ثقافة «العمل الصيفي الموقت» أو «الموسمي» في الشركات والمؤسسات الكبرى، التي يلتحق بها الشباب للعمل ثلاثة أشهر. وربما يتحوّل في أحيان كثيرة إلى عمل جزئي مسائي، أثناء عودة الدراسة. وتشكل شركات الأطعمة والأسواق والتجزئة النسبة الكبرى في استقطاب الطلاب الجامعيين للعمل، خصوصاً في المدن الصغيرة، التي تكاد تخلو من المنشآت الكبرى. فيما يختار طلاب المدن الكبرى العمل في منشآت قريبة من تخصصهم الدراسي لاكتساب خبرة تفيد بعد التخرج. ويقول ذعار الشمري، وهو طالب جامعي من حائل: «إن فكرة العمل الصيفي راودتني منذ عامين، حينما زرت كوريا الجنوبية خلال الصيف، لزيارة أحد أقاربي ممن يعملون في هناك. ولمست شيوع العمل الصيفي الموقت، لدرجة أن أبناء قريبي يعملون في الوظائف الصيفية. كما يمارس طلاب مبتعثون العمل الصيفي، وعند الالتقاء بهم يتحدثون بشغف عن تجربتهم، ما شجعني على خوض التجربة العام الماضي. وسأفعلها هذا العام بعد أن أختار عملاً يوافق تخصصي الدراسي، بعكس العام الماضي الذي اخترت فيه أي عمل لخوض التجربة فقط». وتحدث الشمري عن استفادته من التدريب الصيفي، موضحاً أن «الدراسة الجامعية، مهما كان عدد الساعات العملية، ومهما أتقنت محاكاة الحياة العملية، إلا أنها لن تحقق الفائدة للطالب، كما تحققه تجربة العمل الموقت، ففيه يعايش الطالب الحياة العملية ويتعايش مع ضغوطها، ويحرص على سبر أغوارها، للتقدّم والترقية لا كمتطلب دراسي ينتهي بنهاية الوقت المحدد»، لافتاً إلى أن «العمل فرصة لتكوين علاقات تفيد الطالب حينما يتخرّج ويبحث عن عمل، فما تعلمه خلال الصيف وإن قل، هو سمعة يبنيها عند صاحب المنشأة، سيجني ثمارها حين التخرج ودخول عالم العمل الدائم». وتوافقه في الرأي سيدة الأعمال منال الزهراني، التي ترى في العمل الصيفي الموقت «فرصة لبناء الشخصية والاعتماد على النفس، وتحوّل الشاب لشخصية يعتمد عليها وتنقله من آخر مراحل المراهقة لأولى عتبات النضج. كما أنه سيبني أولى لبنات حياته العملية، فبدلاً من استهلاك الوقت في التنقل بين الشركات بعد التخرج للبحث عن بيئة العمل الأنسب، ما يستهلك أعواماً كثيرة، ويضعف فرصه في سوق العمل، فإن العمل الموقت فرصة لاستكشاف هذه المنشآت، إضافة إلى كونه ميداناً رحباً لاكتساب الخبرة». وأضافت الزهراني: «إن الشركات تطبق في الصيف برامج تدريبية للطلاب والطالبات، لا تطبقها طوال العام الدراسي فهي فرصة لا تتكرر. وأخيراً هي فرصة لاكتساب عمل جزئي دائم، فكثير من الطلاب أصبحوا يعملون جزئياً مع الشركات، بما يتواءم مع دراستهم، ريثما ينهون دراستهم ويتحولون لعمل رسمي بدوام كامل»، مشددة على أن «فرص الصيف ميدان رحب يحتاج من ينفض عنه غبار الكسل ليبدأ بناء حياته المستقبلية»، لافتة إلى أنّ العمل «يعلم الطالب الانضباط والإنجاز والالتزام، وحسن تدبير الوقت وغيرها من المهارات التي تتحقق من خلال بيئات العمل المنوّعة». وعن أبرز النصائح التي ينبغي لطالب العمل الصيفي الانتباه لها، أشارت الزهراني إلى «أن يكون لديه سيرة ذاتية مناسبة، فينبغي أن يحرص على صوغ سيرة ذاتية مميزة تبرز إمكاناته وقدراته، مع الحرص على إبعاد كل ما ليس له علاقة بطبيعة العمل، وأن تكون السيرة أنيقة المظهر احترافية الصياغة. كذلك ينبغي أن يحرص الطالب على اختيار منشأة تتوافق مع ما يدرسه أو ما يعمل فيه مستقبلاً، لأن دراسته السابقة ستختصر عليه خطوات كبيرة في عمله الحالي، والأخير سيسهل عليه فهم جوانب نظرية في دراسته المستقبلية». كما أكدت على الطالب أو الطالبة «وضع خطة تحدد الأهداف التي يرغب في تحقيقها في العمل، سواء على الصعيد المادي أم المعرفي أم حتى المهني أم العلاقات الشخصية، لأن ذلك سيسهل عملية البحث. وبعد ذلك عليه أن يحضّر نفسه بشكل جيد للمقابلة الشخصية كونها بوابة دخوله لهذا العمل، وهي التي ستشكل نسبة كبيرة من انطباع أصحاب العمل عنه».