لم يدُرْ في خلد حسن، الطالب الجامعي في سنته قبل الأخيرة، أن مساعدته لأحد أصدقائه في بيع البطيخ عند ناصية أحد الشوارع ستكون مجزية مادياً. ولكن التجربة العملية الأولى أدهشته كثيراً، إذ أصبح العمل في الإجازات الفصلية وإجازة الصيف أمراً متكرراً، لأن الدخل المادي الذي حصل عليه خلال أيام أنعش أوضاعه الاقتصادية وجعله يحصل على بعض الأمور المؤجلة، كما أنه سيكون قادراً على مواجهة مصاريفه الدراسية المقبلة بيسر وسهولة. ومع أن التعليم الجامعي مجاني في السعودية، فإن المصاريف الجامعية تفوق قدرة الشباب، وخصوصاً الذين ينتمون لعائلات محدودة الدخل. وأصبح منظراً مألوفاً اليوم أن تجد الشباب يعملون في مهن خدماتية وموقتة توفر لهم دعماً مناسباً أوقات الدراسة، ففي المناطق الزراعية وفي مواسم القطاف ينشط الشباب في بعض المهن المرتبطة بهذا القطاع. ويقول حمود الزوير، الذي يعيش في بلدة زراعية تبعد عن الرياض 80 كيلومتراً تقريباً: «أعمل منذ بداية الموسم، أشتري من المزارعين مباشرة بالحمولة الكاملة لأبيع بسعر التجزئة على مدى يومين تقريباً». ويضيف: «عملي أضاف دخلاً يدعمني في أوقات الأزمات، وخاصة أثناء الدراسة، مثل دفع تكاليف إيجار الغرفة والمعيشة خلال العام». ومن مدينة عنيزة بمنطقة القصيم الشهيرة بإنتاج التمور، وحيث يتوافق الموسم هذا العام مع شهر رمضان، وجد العديد من الشباب أن مسألة نقل التمور وتوزيعها في مناطق أخرى تمنحهم دخلاً جيداً، وهي المعروفة بجودتها العالية، فالأخوان فهد وسليمان القبيد بدآ مبكراً بشراء تمور المزارعين، ومن ثم نقلها وتوزيعها في منطقتي جدةومكةالمكرمة والمدينة المنورة. حازم عواد وجد أن توافق رمضان مع الإجازة الصيفية مناسب للعمل في نقل المعتمرين داخل مكةالمكرمة، فهو يعمل على سيارة مستأجرة مدة إجازة الصيف، مبدياً فرحته بأنه سيحصل قريباً على سيارته الخاصة بعدما عمل في هذا المجال سنتين وفي العطل الدراسية القصيرة والتي تعتبر موسماً ناجحاً ايضاً. وفي المنطقة نفسها، يعمل عامر بيالي الطالب في جامعة خاصة بمنطقة الرياض، وكيلاً لتأجير الشقق المفروشة للمعتمرين أو من يفضلون قضاء شهر رمضان بجوار بيت الله، ويحدد مكسبه بنسبة معينة تمنحه دخلاً معقولاً لإكمال دراسته. ويقول: «في الصيف أعمل في هذا المجال لكوني أعود إلى منطقتي، ولكنني خلال العام الدراسي أيضاً أعمل في «مركز المكالمات» في الجامعة لأستطيع إكمال الدراسة من دون توقف». وتولي الحكومة اهتماماً بتوظيف الشباب في الصيف وتحث قطاع الأعمال الخاصة على إفساح المجال للتوظيف الموقت. وقد يستمر العمل من شهرين إلى ثلاثة في المصارف والشركات الخاصة. ويأتي ذلك ضمن اهتمامات مكتب العمل لشغل أوقات الشباب في الصيف، إضافة إلى أن العمل في قطاع السياحة بدأ ينتشر في السعودية مع تزايد المهرجانات الصيفية التي تقيمها هيئة السياحة مع إمارات المناطق، وقد توفر من خلالها المئات من فرص العمل. ويقول عبد السلام البيهي إنه حريص على العمل في كل إجازة صيفية منذ أن أنهى دراسته الثانوية لرغبته في جمع شهادات الخبرة ليضيفها لسيرته الشخصية، مشيراً إلى أنه عمل في مطاعم الوجبات السريعة وبعض الأسواق المكتبية ومحلات بيع الأجهزة الإلكترونية. للبنات حصة ولا يقتصر الأمر على الشباب الجامعي، فالفتيات أيضاً يقدمن على العمل أثناء الإجازة، على الرغم من أن فرص العمل للفتيات لا تتوافر كثيراً. لكن سارة ناصر قضت إجازة هذا العام بصنع الحلويات المنزلية للولائم والحفلات، وجعلتها هوايتها، متخصصة في بعض المجالات مثل «الكاب كيك» وأنواع أخرى تقدم في حفلات التخرج والخطوبة. وكانت سارة بدأت عملها مع مجموعة من صديقات الجامعة، وهي الآن تنتظر الانتهاء من الجامعة والتفرغ لهذا العمل إلى حين إيجاد وظيفة مناسبة. أما تغريد وميسون، اللتان تدرسان العلوم المصرفية، فاستغلتا إجازة هذا العام للتدريب في أحد المصارف للسنة الثانية على التوالي، وذلك لكسب مزيد من الخبرة. ولا تخفي الشابتان سعادتهما بالمكافأة التي تحصلان عليها، وتصرفانها على شراء بعض المستلزمات أو في تجربة المطاعم الجديدة في المنطقة، وتشيران إلى أن عملهما قلل كثيراً من المشاحنات الأسرية التي تحدث نتيجة الفراغ وقضاء الوقت بالنوم نهاراً والسهر ليلاً. ويؤكد اختصاصي علم الاجتماع فالح العنزي، أن مجرد إقدام الشباب على العمل في أوقات الفراغ يُعتبر مؤشر نضج لتنمية ذواتهم وتطويرها واكتسابهم خبرات جديدة خارج محيط الدراسة، فالعمل يمدهم بالخبرة العملية ويمنحهم دخلا مناسباً ويجعلهم أكثر قدرة على خوض معارك الحياة، إضافة إلى تكوين علاقات اجتماعية وإنسانية وتدريب النفس على اتخاذ القرارات.