في آخر نقطة تجمع جنوبجدة، تلمع أمام الأعين علامة سوق الصورايخ المميزة، تلك السوق التي انتصرت للفقراء وذوي الدخل المحدود فمنحتهم ما يشتهون بثمنٍ بخس دراهم معدودة. ووسط زحمة وجلبة السوق الضخمة، يهتدي كثير من الزائرين للسوق تلقائياً «طريق المرحوم»، فيجدون فيه ملابس الموتى، يزينون أجسادهم بماركات عالمية بزهيد المال. وعلى امتداد أحد طرقات سوق الصواريخ اختار باعة «ملابس الموتى» نهاية الأسبوع موعداً ثابتاً لهم، من أجل بيع ملابس لا تعدو كونها تركة موتى مهداة أو أن تحمل أمراضاً خطرة في داخلها. وجالت «الحياة» بين جنبات طريق «ملابس المرحوم» ورصدت إقبالاً كبيراً من الأجانب في ظل غيابٍ كبير للمتسوقين السعوديين، ففي كل يومي الخميس والجمعة يعج طريق ملابس المرحوم ليتحول إلى شعلةٍ من الحركة التجارية تمتد لمسافات طويلة للمزاولة والمتاجرة في سوقٍ فريدة من نوعها بين أسواق المدينة الساحلية كافة. وفي ضحى نهاية الأسبوع، تبدأ «البسطات» في بيع المستعملة من الملابس والأحذية والعٌقل وفساتين السهرات المتنوعة في نثر بضائعها من الملابس المستعملة موزعة على جنبات الطريق. وتتسيد هذه السوق جنسيات شرق آسيوية، من أبرزها البنغالية والباكستانية والهندية إضافةً إلى الجنسية الصومالية. ولا يخلو «ملابس المرحوم» من الزبائن العرب من ذوي المهن متدنية الأجر والباحثين عن ملابس صالحة للاستخدام تراوح أسعارها بين ريال وخمسة ريالات. ولم يخف سيد أحمد «مصري الجنسية» أن سبب لجوئه إلى هذه السوق هو التضخم الذي يزداد في أسعار الملابس، إلى درجةٍ لم يعد بإمكانه شراء ملابس غير مستعملة، نظراً إلى أثمانها الباهظة على حد قوله. وتابع: «منذ ثلاث سنوات مضت وأنا أرتدي الملابس المستعملة ولم أصب بأي مرض»، ويجد أن غسل تلك الملابس كفيلٌ بإبعاد شبح الأمراض. وترفض عائشة (إحدى البائعات الإفريقيات في السوق) فكرة أن تكون الملابس التي تبيعها مسببةً للأمراض الجلدية أو أي أمراضٍ أخرى، لكنها اعترفت أن جزءًا من الملابس التي تبيعها هو من ضمن تركة مهملةٍ للأموات. وقالت: «هذه السوق رخيصة، وزبائنها هم المساكين. كل شيء لدينا موجود بسعر ريال أو ريالين». وأشارت إلى أنها تقوم بجمع ما يرد لها من صدقات الملابس، أو بطرق أبواب المنازل بحثاً عن ملابس زائدةٍ عن الحاجة. وفي السوق لم يعد مستحيلاً أن ترتدي عروس من فئة الدخل المحدود فستان زفاف بثمنٍ لا يتجاوز 50 ريالاً، إضافةً إلى فساتين السهرة التي لا تتجاوز قيمتها 10 ريالات. ووفقاً لقوانين السوق فلم يعد لمحال خياطة الثياب الرجالية أي اعتبار وذلك بالنظر إلى الأناقة التي تظهر بها تلك الثياب المستعملة والتي يصل سعرها إلى نحو 10 ريالات كحد أقصى. وبين نور أشرف (أحد باعة الملابس في سوق المرحوم) أن الملابس التي يبيعها تغسل وتكوى بطريقة جيدة، ويغلف بعضها ب«نايلون» لإبرازها بهيئة الملابس الجديدة، وبطريقة تغري المتسوقين على شرائها، فيما تحظى المشالح العربية باهتمام خاص وتبرز بشكل مغرٍ على قائمة الملابس المعروضة للبيع أمام الجمهور، وتتراوح أسعارها بين خمسة ريالات و20 ريالاً كحدٍ أقصى.