مثل عراقي شعبي شائع بين الناس، وجد طريقه إلى التطبيق فعلياً في السنوات الأخيرة، وبشكل كبير في العراق «اللي (الذي) تزيد فلوسه لو (إما) يشتري بندقية ولو يتزوج على مرته». فالطفرة الاقتصادية التي شهدتها غالبية الاسر العراقية بعد حرب عام 2003، أسهمت في انتعاش بعض الظواهر القديمة ومن بينها «الزواج الثاني للرجال». والسبب الآخر الذي ساهم في انعاش هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة، هو عدم ممانعة الكثيرات من الارتباط برجل متزوج، وخصوصاً اللواتي يعشن ظروفاً اقتصادية صعبة في عائلات انجبت عدداً كبيراً من الأولاد من دون التفكير بمستقبلهم. عزيز (44 سنة) يفتخر بزواجه الثاني، ويستعد لزيجة ثالثة من فتاة تصغره بثمانية عشر عاماً، هي التي لم تستطع مقاومة سحر سيارته الفارهة وثروته التي تفتح أمامها الأبواب الموصدة، كما تظن. ويبرّر عزيز زواجه الثالث، كمعظم الرجال بالقول ان «الزواج الثاني أو الثالث وحتى الرابع ينعكس ايجابياً على المجتمع، كونه يقلّل من نسبة العنوسة إلى جانب زيادة النسل وتحسينه». ولكن مروة (33 سنة)، وهي موظفة غير متزوجة، ترفض فكرة تعدد الزوجات معتبرة ان الزواج الثاني بمثابة إهانة واعتراف صارخ بفشل الزوجة الأولى في الاحتفاظ بزوجها. مروة تصف بمرارة، حال امها التي اصيبت بانهيار عصبي، يوم دخل والدها المنزل متأبطاً ذراع زوجته الجديدة، غير مكترث لما حصل لزوجته الأولى التي سقطت مغشياً عليها، وعاشت رحلة طويلة في عيادات الطب النفسي، طلباً للعلاج من الصدمة. وتقول مروة: «أُفضّل العنوسة على الارتباط بزوج سبق أن تزوّج بغيري، وإن لم يدم ذلك الزواج». ورأي مروة ناتج من تجربة ذاتية قاسية مع زواج أبيها، لكن فتيات أخريات يجدن في الزواج برجل متزوج وصولاً مبكراً إلى الأماني والأحلام التي يرغبن في تحقيقها. وتفضل نسرين (22 سنة) وهي خريجة جامعية، الارتباط برجل متزوج ظنّاً منها بأنها ستحظى بكلّ ما تريده أو تحلم به مقابل لحظة دلال وغنج يحلم بها ذاك الزوج «الشارد»، على حد قولها. وتقول: «ارتفاع مداخيل العائلات العراقية وتوافر أسباب الرفاهية إلى حد ما، منحا الرجال فرصة الزواج مثنى وثلاث وسط تغاضي غالبية العائلات عن الوضع العائلي للمتقدمين للارتباط ببناتهم، خصوصاً ان تلك التنازلات تقابلها امتيازات مادية ومكاسب شخصية كبيرة». أما عدي (35 سنة)، وهو متزوج من امرأتين، فيُرجع أسباب انتشار ظاهرة الزواج الثاني لدى الرجال إلى ما تعرضه الفضائيات من مسلسلات وأفلام تستعرض جمال بطلاتها وإمكانياتهن في ترويض الرجال، الأمر الذي يدفع إلى البحث عن مغامرة عاطفية جديدة عادة، ما تنتهي إلى زواج ثانٍ. وتقدّم استاذة علم النفس في جامعة بغداد سناء الداغستاني، أسباباً عديدة لانتشار ظاهرة الزواج الثاني بين أوساط المجتمع العراقي، من بينها الطفرة الاقتصادية التي شهدتها البلاد وزيادة رواتب الموظفين التي وفّرت مناخاً لتنفيذ تلك الاحلام التي طالما شكّلت هاجساً حقيقياً لدى الرجال. وتعتبر أن «الرجل العراقي بطبعه مزواج، أو على الأقل يميل إلى تعدّد الزوجات، وهذا الأمر يعود إلى تركيبة الفرد الذي يتحدر من مجتمعات قبلية وعشائرية تميل إلى تلك النزعة». وتضيف: «زيادة نسبة العنوسة في البلاد دفعت بعض النساء إلى تقديم بعض التنازلات مقابل الفوز بزوج وإن كان متزوجاً». وتتطرق الداغستاني إلى سبب آخر وهو «تحريض أهل الزوج على الزواج بأكثر من إمرأة، بخاصة اذا ما كانت هناك قطيعة بين الكنّة والحماة». وترى أن هذا الامر «أخطر بكثير من الأسباب السابقة، لا سيما ان أم الزوج لا تزال تلعب دوراً كبيراً في تحديد شكل العائلة العراقية». أما الناشط في مجال الدفاع عن حقوق النساء ونائب رئيس «جمعية نساء عراقيات»، نصير محمد، فيلفت إلى «سجال كبير في أروقة البرلمان العراقي، بدأ منذ عام 2005 ويهدف إلى تعديل بعض نصوص قانون الأحوال الشخصية ومنها الفقرة 56 من القانون، والتي تقضي بتنظيم تعدّد الزوجات حيث ذهبت بعض الأحزاب الاسلامية إلى تشجيع الزواج الثاني والثالث، بحجة تقليل نسبة العنوسة ومنع الزواج السري او العرفي». ويضيف: «إذا لم يكن الرجل يملك أي مبررات للارتباط بأكثر من زوجة، فسيكون زواجه الأخير سبباً في تفكيك الاسرة وتشريدها، وبخاصة في حال إصرار الزوجة الاولى على الطلاق، وهو ما تلجأ اليه معظم الزوجات اللواتي يعتبرن ان حقوقهن الزوجية انتهكت... بزواج ثانٍ».