أدت أزمة الديون، في كل من منطقة اليورو والولاياتالمتحدة، وانعكاساتها على نمو اقتصاداتها، إضافة الى ذيول أزمة الائتمان في العالم، الى إبقاء أسعار النفط في حدود دنيا، بعدما كانت سجلت في تموز (يوليو) 2008 نحو 147 دولاراً للبرميل. وخفضت الصناديق السيادية في دول «أوبك» تدفق أموالها الفائضة في سوقي الدولار واليورو. ومنذ بدايات أزمة الديون الأوروبية والأميركية، لجأت الدول العربية المنتجة، التي تساهم في تأمين نحو 40 في المئة من استهلاك النفط في كل من الولاياتالمتحدة وأوروبا والصين البالغ 41.5 مليون برميل يومياً تتوزع على 13.6 مليون برميل في أوروبا و18.7 مليون برميل في أميركا و9.2 مليون برميل في الصين، الى استثمار غالبية مردود النفط في الداخل وفي الحدود الدنيا في الأسواق الغربية والآسيوية. وقالت راشيل زيمبا كبيرة الباحثين في «روبيني غلوبال ايكونوميكس» إن الأموال المتوافرة من الصناديق السيادية في الخليج، للاستثمار في الأسواق الدولية، أصبحت أكثر شحة. وتوقع بنك «غولدمان ساكس» أن توفر الدول المنتجة للنفط نحو 70 بليون دولار شهرياً في السنة المالية المقبلة. وفي بروكسيل أكدت القمة الأوروبية أمس، التصميم على تحصين منطقة اليورو ضد أخطار انتشار أزمة الديون السيادية اليونانية من خلال مد أثينا بحزمة قروض إضافية، بمشاركة القطاع الخاص، تمكنها لاحقاً من العودة إلى الاقتراض من أسواق المال بأسعار أدنى للفائدة. وجاء في مسودة اتفاق قمة بروكسيل أن منطقة اليورو تعتزم تمديد فترة استحقاق قروضها للدول المتعثرة مثل اليونان وإرلندا والبرتغال، من سبع سنوات ونصف السنة إلى 15 سنة على الأقل، وخفض معدل الفائدة على القروض من 4.5 في المئة إلى 3.5 في المئة. وأعلن ديبلوماسي أن التمديد المتوقع لفترة استحقاق القروض «يمكن أن يصل إلى 30 سنة»، منبهاً إلى أن وكالات تصنيف الديون السيادية قد تعتبر ذلك نوعاً من التخلف عن سداد مستحقات. ولم تشكل المسألة مفاجأة، لأن مبدأ اتخاذ هذه الإجراءات قرره وزراء مال دول منطقة اليورو في 11 تموز (يوليو)، لكن التفاصيل بقيت في حاجة إلى تسوية. وتُعتبر مشاركة القطاع الخاص سابقة، وقد تراها الأسواق تأخراً عن الدفع. وارتفع اليورو أمام الدولار وعملات وقفز من 1.4090 الى 1.4242 دولار بعد إعلان مسودة قرارات القمة التي أشارت أيضاً إلى تقديم قروض من آلية الاستقرار المالي والسماح للصندوق بالتدخل على أساس احترازي. ويهدف مشروع الاتفاق، الذي نوقش أمس، إلى التوصل إلى تسوية مسبقة حصلت بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنغيلا مركل ليل الأربعاء - الخميس في برلين، رسخت مساهمة القطاع الخاص في الخطة المالية المزمعة و «يُفترض موافقة الشركاء على كل النقاط تقريباً». وتتضمن حزمة الاقتراحات التي عُرضت على القمة إمكانية شراء قسم من دين اليونان وفرض ضريبة على المصارف يمكن أن تؤمّن عائدات تبلغ 50 بليون يورو وخفض دين اليونان إلى 90 بليون يورو من خلال تبادل للسندات التي يملكها القطاع الخاص. وفي واشنطن دخل البيت الأبيض ونواب الكونغرس في سباق مع الوقت للوصول الى اتفاق حول سقف الدين قبل انقضاء مهلة سداد الديون خلال 12 يوماً، وفي ظل استمرار الخلاف حول مسألة الضرائب وتركيز المفاوضين على ثلاثة خيارات للخروج من الأزمة. ومع تراكم الضغوط على الوسط السياسي في واشنطن للإسراع في إبرام اتفاق لرفع سقف الدين، من 14.3 تريليون دولار قبل الثاني من آب (أغسطس) المقبل، استكمل البيت الأبيض وأعضاء الكونغرس النواب اجتماعاتهم أمس وللبحث في الخيارات المتاح التصديق عليها في أقل من أسبوعين. وتنحصر هذه الخيارات بثلاثة مشاريع مطروحة اليوم، أولها تبني اقتراح مجموعة من الحزبين تقضي برفع سقف الدين وحد الإنفاق بنسبة 3.7 تريليون دولار ورفع الدخل الحكومي بنسبة تريليون دولار عبر وقف العفو الضريبي عن الأثرياء. ويحظى هذا الخيار بدعم من الرئيس باراك أوباما أيضاً، غير أنه يصطدم بمعارضة في مجلس النواب ذات الأكثرية الجمهورية بينهم متشددون يعارضون حتى الساعة فكرة زيادة الضرائب. ويتمثل الخيار الثاني بالوصول الى صفقة كبرى في الوقت الباقي تقتطع نسبة كبيرة من الإنفاق (4 تريليونات) وتعيد النظر ببرامج حكومية خدماتية مثل طبابة الشيخوخة والضمان الاجتماعي ما يتيح للجمهوريين تقديم تنازل حول الضرائب. غير أن عامل الوقت يقف عائقاً أساسياً أمام هذين الخيارين نظراً للحاجة الى جلسات تشريعية مطولة لمناقشتهما والمصادقة على واحد منهما. ويحاول زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل تقديم خطة بديلة تسمح للرئيس برفع سقف الدين من دون استشارة الكونغرس إنما على مراحل ومن خلال تبني إجراءات للحد من الإنفاق. ويزيح هكذا خيار العبء السياسي عن الكونغرس قبل انتخابات 2012، ليتم تفادي خضة في السوق المالية تضر موقع أميركا الاستثماري ومرتبتها في سلم القروض في حال عجزها عن سداد ديونها. غير أن البيت الأبيض يتطلع الى صفقة كبرى تساعد أوباما سياسياً وتضع أرضية لإصلاح مسألة الدين في السنوات العشر المقبلة.