بدأت مشكلة تعثر الولاياتالمتحدة عن سداد ديونها تثير القلق في الأوساط الاقتصادية العالمية خاصة مع اقترابها من الحد الأقصى المسوح به للاقتراض 14 تريليون دولار وقرب الموعد النهائى للتوصل الى اتفاق بشان زيادة حجم المديونية فى مطلع الشهر المقبل، حيث تعتقد بعض الأوساط الاقتصادية بان امكانية تعثر الولاياتالمتحدة عن سداد ديونها يعد أمرا غير مستبعد. ووصف مراقبون تعثر الولاياتالمتحدة عن سداد الدين ب "الأزمة" في حال عجزت وزارة الخزانة الأمريكية عن حلها، و تعثرها عن سداد السندات المستحقة، خاصة و أن أزمة المستثمرين في السندات الأمريكية والاقتصادات المرتبطة بسياساتها المالية والنقدية قد بدأت، مما سيشكل أزمة ايضا للدولار الأمريكي بوصفه عملة الاحتياط في العالم، وسيصبح مهددا مع تحويل المستثمرين أموالهم لعملات أخرى، مما سيشكل ضغطا إضافيا على الدول المرتبطة عملتها بالدولار. وقال الاقتصادي سلطان المهنا رئيس تحرير صحيفة ميدل ايست اويل أن "فرضية" تعثر الولاياتالمتحدة عن السداد سيكون شبيها بتساقط قطع الدمينو – على حد تعبيره - ، مؤكدا أن الدولار سيكون اول المتضررين، مع انخفاض الثقة فى قدرة الولاياتالمتحدة على الايفاء بالتزاماتها المالية تجاة الاخرين مما سيؤدي الى انهيار قيمة الدولار بشكل كبير مما سينتج عنه تضخم مفرط للاسعار سينعكس على المستهلك الامريكى بتلاشي حسابات التوفير لديه بسبب انهيار أسواق المال و ارتفاع معدلات التضخم. وأضاف "سيؤدى تعثر سداد الولاياتالمتحدة لديونها الى خسارتها لتصنيف AAA الذى يعتمد بشكل رئيسى على قدرتها في طبع المزيد من النقود لتسديد الفوائد على قروضها ذلك لان وزارة الخزانة الامريكية القائمة على دفع المستحقات المالية على المديونية لايمكن ان تقوم بذلك دون ان يسمح لها برفع سقف المديونية، وبالتالى نهاية المحافظة على تصنيف AAA، كما سيؤدى ذلك الى خفض الانفاق الحكومى بنسبة 40 في المائة على اساس ان انفاق الحكومة الامريكية يصل الى حوالى 10 بلايين دولار يوميا منها 4 بلايين دولار او 40 سنتا عن كل دولار تنفقة على شكل قروض مما يؤدى الى ارتفاع معدلات البطالة الى مستوى معدلات فترة الكساد العظيم فى الثلاثينيات الميلادية". وأشار المهنا إلى أن المرحلة الراهنة تعد مرحلة هامة وحرجة خاصة للمستثمرين فى سوق السندات و المال الامريكية من دول الشرق الأوسط سواء بالنسبة للافراد او الشركات لمراجعة استراتيجياتهم الاستتثمارية الجغرافية، المالية و النقدية وذلك بخفض استثماراتهم المرتبطة بالدولار واسواق المال الامريكى حتى تتضح الرؤيا، والتوجة الى مناطق اقل خطورة او محدودة المخاطر مثل سندات الحكومة الكندية، الاسترالية او البرازيلية الى جانب الاسواق الآسيوية مثل الهند الصين كوريا ماليزيا سنغابورة هونج كونج، مؤكدا أن "زيادة سقف المديونية كما هو متوقع لا تعنى نهاية المشكلة المزمنة للاقتصاد الامريكى فالسيناريو نفسة سيتكرر العام الذى يلية طالما ان الانفاق الحكومى الامريكى المفرط فى تزايد، لذلك من المتوقع ان تستمر سياسة بنك الاحتياط الفيدرالى القائمة على دفع معدلات التضخم الى اعلى لتسهيل عملية الانفاق هى الحل الوحيد المتبقى". فضل البوعينين وأوضح أن خفض الانفاق بنسبة 40 في المائة هى النسبة التى حددها المعارضين لقرار الزيادة من الجمهوريين فى الكونجرس كشرط الموافقة على رفع الحد الاعلى للمديونية من 14,3 تريليون الى 16,7 تريليون بزيادة 2,4 تريليون دولار والتى تقدر بحوالى تريليون من حجم الانفاق الحكومى لميزانية العام المقبل2012، مستطردا " ولكن اتوقع ان التخفيض فى الميزانية لن يتجاوز 300 بليون دولار خاصة بعد الاعلان عن نية الولاياتالمتحدة الانسحاب من افغانستان والعراق مع نهاية العام وحتى منتصف العام القادم، و فى حال إقرار الزيادة سيتجاوز حجم المديونية 16,7 تريليون بنسبة 100 في المائة من اجمالى الناتج المحلى والذى يصل الى 14,66 تريليون وهى نسبة عالية وخطيرة جدا خاصة اذا ماقورنت باليونان على سبيل المثال والتى يصل اجمالى حجم مديونيتها الى اجمالى الناتج المحلى نسبة 119 في المائة.. على اية حال الاسابيع القليلة القادمة من الان وحتى منتصف الشهر المقبل والتى ينتهى خلالها التيسير الكمى الثانى بنهاية شهر يونية الحالى او الموعد النهائى للبت فى زيادة حجم المديونية الى جانب اسبوعين كمهلة للسداد تنتهى فى 15 اغسطس قبل ان يخفض تصنيف سندات الخزنة الامريكية الى سندات عالية المخاطر". من جانبه قال الكاتب الاقتصادي فضل البوعينين أن القلق بدأ يساور بعض الدول الخليجية من إمكانية تخلف الولاياتالمتحدةالأمريكية عن سداد ديونها، خاصة مع بعض التصاريح الاعلامية التي أطلقها مسؤولون خليجيون بالرغم من تحفظ هذه الدول في علاقاتها النقدية والاستثمارية الخارجية، وبخاصة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، الشريك الإستراتيجي الأول لدول المنطقة، مشيرا الى ان الدراسات ركزت على حجم الأضرار المتوقعة على السوق الأمريكية، وتجاهلت التداعيات الأكثر خطورة على الاقتصاد العالمي، في تعرض الاقتصاد الامريكي لكساد متوقع، مما يعني دخول العالم في أزمة اقتصادية جديدة قد تكون أخطر من سابقتها. وأكد البوعينين أن الجدل التشريعي الأمريكي حيال الدين العام قد يستمر ما يعني تأجيل مواجهة الأزمة، إلا أن أزمة المستثمرين في السندات الأمريكية، والاقتصادات المرتبطة بسياساتها المالية والنقدية قد بدأت فعليا، مشيرا إلى أن التحذيرات الفعلية بدأت بعد الأزمة المالية بوقف الاستثمار في السندات الأمريكية، وتسييل ما يمكن منها، وإن كان ضمن اتفاقيات تمويل صفقات تجارية تخفف من ردة فعل الأمريكيين الذين لن يرحبوا بقرار التسييل، مضيفا "سبق وأشرت إلى أن سحب الاستثمارات المالية الخارجية واستغلالها في بناء قطاعات الإنتاج، ومشروعات التنمية ستحقق أهدافاً كثيرة منها تحقيق التنمية المستدامة، تنويع مصادر الدخل، وتوفير البيئة الآمنة للاستثمارات الوطنية". وأضاف " زيادة الإنفاق الحكومي على مشروعات الدعم، والتنمية، ربما أسهمت في سحب بعض الأرصدة الخارجية، وهو أمر إيجابي ولا شك، والحقيقة أن اللجوء إلى الاحتياطيات المستثمرة في السندات الأمريكية يفترض أن يكون من الأولويات عطفاً على المخاطر المحيطة بها لتمويل مشروعات التنمية، وقرارات الدعم الحكومية يفترض أن يكون مقدماً على فوائض الموارد البترولية التي يمكن إعادة استثمارها في دول أخرى كالصين على سبيل المثال". وطالب البوعينين بتسييل بعض الاستثمارات التي تملكها دول المنطقة لارتفاع مستوى المخاطرة وتحويلها إلى الإنفاق العام، أو تحويلها إلى استثمارات في مناطق أكثر أمناً واستقراراً وهو القرار الإستراتيجي الذي يفترض أن يُقدم على ما سواه، مع الحذر في التعامل مع الأرصدة الحكومية والذي برأيه يجب أن يمتد إلى أرصدة البنوك السعودية المستثمرة في السوق الأمريكية، فبقائها دون تغيير قد يعرضها مستقبلاً للمخاطر، مؤكدا أن السندات الأميركية لم تعد ملاذاً آمناً، وعلى دول الخليج مراجعة استثماراتها بما يحقق مصالحها الوطنية، مستطردا " قد تكون الخيارات محدودة، إلا أنها لم تُعدم بعد، ووقف شراء مزيد من السندات يمكن أن يكون أول خطوات المعالجة، ثم تأتي الخطوة الأكثر أهمية وهي خفض حجم الاستثمارات الحالية، إما بالتسييل وهو الأفضل أو باستخدامها لتمويل الصفقات الضخمة أو الاعتماد عليها كضمان لتبادلات تجارية مع الولاياتالمتحدة الأميركية أو وسيلة لدفع عقود التنمية مع شركات أميركية منتقاة، وأخشى أن تتحول الاحتياطيات الخليجية إلى سراب، أسوة بالاستثمارات المُضيعة في الأزمة الاقتصادية العالمية، وهو أمر محتمل وإن استبعده خبراء الاقتصاد والسياسة". وزاد البوعينين " تجربة الأزمة المالية العالمية كانت قاسية على الجميع، وكل ما نرجوه ألا نتعرض لتجارب مماثلة مستقبلاً، ربما نحن في حاجة إلى إستراتيجية واضحة للتعامل مع مشكلة الديون السيادية الأمريكية، والأزمة العالمية المتوقع حدوثها مستقبلاً، وخطة عمل مُحكمة تقود للمحافظة على استثماراتنا في السوق الأمريكية.