جميل ان يكون لديك مساحة من الحرية الإعلامية التي تستطيع ان تناقش المواضيع العامة التي تهم الوطن. هذه التجربة التي نعيشها منذ قرابة 4سنوات لم يوفق اعلامنا في توظيفها بطريقة احترافية ومهنية؛ بحيث ترسيخ مفاهيم عامة يستفاد منها في جذب شرائح عدة من المواطنين وبنسب متصاعدة مع الأيام ليشتركوا مع اعلام بلادهم في طرح قضاياهم بكل شفافية مقرونة بحس وطني ودون البحث عن الإثارة غير المهنية باختيار مواضيع ليست طرح المرحلة وخاصة ونحن لدينا استحقاقات تنموية يجب التركيز عليها مع العمل على زيادة اللحمة الوطنية؛ وجعل الاعلام منفذ فاعل في نقل هموم المواطن الى القيادة السياسية. ومن تابع بعض المواضيع التي تم طرحها في بعض وسائل الإعلام لدينا حتى نجر الى المشاركة بها بعض من يوصفون بأنهم من كتابنا الكبار واستنفدت جهد المشاركين بها وصورت على انها هي قضايا المجتمع الأهم؛ خيل لي بأن المجتمع وكأنه يعج بالاتجاهات الفكرية المختلفة او ان هناك صراعاً قبلياً؛ الى ان دخلت على الخط مزاين الإبل والتي كانت يمكن ان تمر مثلها مثل بعض المظاهر الاجتماعية التي تخرج بين الحين والآخر وبالذات عندما ينبري البعض لها من باب الرفاهية غير المنضبطة، اضف الى ذلك قضية قيادة المرأة. والإعلام الفاعل صاحب الأهداف الواضحة التوجه مهم؛ خاصة اذا ما علمنا بأننا مع الكثير من دول العالم والنامية منها بالتحديد قد تأثرنا بسياسات القطب الواحد ما تبعها من احداث وخاصة احداث 2001التي جعلت منطقتنا وجزءاً من حدودنا على مقربة من البؤر الساخنة التي هي حديث الاعلام اليوم سوى الأحداث الجارية الآن او ما ينتظر ان يحدث. جزء من الاشكالية التي نعانيها في اعلامنا ليست الامكانية المادية او جلب التكنولوجيا الإعلامية؛ ولكن غياب الخبرة الإعلامية لدينا وضيق المساحة التي نمنحها لانفسنا في تحديد سياساتنا الإعلامية؛ والتي يجب ان يكون جزء منها هو التكيف مع تغيرات العصر في الطرح دون ان يكون خهناك خروج عن التشريعات التي نحدد هوية البلد، وكذلك اعتقادنا بأننا نستطيع ان ننجح دون مساعدة الغير قد حد من استفادتنا من هذا الهامش من الحرية الممنوح. ويمكن اعادة رسم سياستنا الإعلامية في ظل التطورات الإعلامية والثورة التكنولوجية المعلوماتية التي يعيشها العالم والتي لم تبح بكل اسرارها والتي سوف تكون بحد ذاتها تحدياً كبيراً لصانعي السياسات الإعلامية؛ بالاستئناس بتجربة موحد هذه البلاد الذي اختصر مرحلة بناء الدولة وعرف كيف يستخلص تجارب الآخرين ويستفيد منها دون الإحساس بالنقص في هكذا مواضيع مادمت انت صاحب القرار النهائي في اختيار المناسب من هذه التجارب او الاستشارات. الى زمن قريب ونحن نعتقد بأن لدينا اعلاماً قوياً وأعلى بذلك اعلامنا الموجود في الخارج؛ ولكن التجارب الإعلامية الأخيرة التي ظهرت في منطقتنا تجعلنا نتوقف عن الاستمرار في اعتقادنا السابق خاصة انها اثبتت ان المادة جزء من التفوق وليس وحدها صانعة. نحن نعاني في اعلامنا المرئي من الرتابة والتكرار في اختيار المادة الإعلامية المقدمة يصاحبها ضعف في كوادر الإعداد والإخراج وضحالة في ثقافة التقديم ونقص في الإلمام بما هو مقدم وعدم القدر على ادارة الحوار مما جعل اعلامنا المحلي المرئي غير مؤثر في محيطه؛ بل تعدى ذلك الى جعل المجتمع السعودي وقضاياه هي المادة الإعلامية ومن ورائها التسويق الاعلاني المربح والذي خلق تنافساً كبيراً بين القنوات الإعلامية الخارجية ومن ورائهم شركات الاتصالات الى التعمق في بحث هذه القضايا والتي بدورها اساءت الى المجتمع لعدم تناولها بشكل مهني ولذا كان حرياً بمن أوكلت لهم الجوانب الإعلامية في بلادنا ان يتحركوا بشكل سريع وبسياسات واضحة الى اعادة المشاهد السعودي الى اعلام بلده؛ وهذا لا يلغي او يقلل من بعض الاجتهادات التي يقوم بها بعض الكوادر سواء في القناة الرياضية إو القناة الإخبارية ولكن ابداعاتهم سوف تقف دونها المخصصات المالية كون هذه قنوات حكومية. اما اعلامنا المقروء فلم يشهد تحسناً كبيراً باستثناء مطبوعة او مطبوعتين لديها الجرءه في الطرح اما عبر كتابها او بسماحها لقرائها بالمشاركة بمواضيع جريئة. نحن نحتاج الحرية الإعلامية المنضبطة الى تكملة ما بدأه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني والذي اعتقد انه خطا خطوة على طريق طويل يجب علينا جميعا المساهمة فيها وذلك بتشكيل مرحلة اجتماعية جديدة لبلادنا تؤسس على ايجابيات المرحلة الماضية وتتواءم مع متطلبات المرحلة القادمة؛ والتي يمكن ان نلمس جزءاً منها مع عودة اول الدفعات من برنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي لأن الرقم المستهدف من هذا البرنامج كبير، ويختلف عن برنامنج منتصف تسعينيات القرن الهجري الماضي؛ لأن العائدين الآن بمراحلهم السنية وكذلك تنوع المجتمعات التي درسوا بها وكذلك زيادة الحصة النسوية بهذا البرنامج سوف يشكلون حراكاً وطنياً يجعلنا نهتم كثير بإعلامنا وما يطرح به لكي يكون طرف توازن في نقاشات ومساجلات متوقعة يمكن حدوثه مستقبلاً. املي ان يسهم اعلامنا في نشر ثقافة النقد الهادف المبني على البحث عن المعطيات ثم التحليل ثم الاستنتاج لكي يتشكل الوعي العلمي لدى شرائح المجتمع تساعده على تحديد ردة فعله تجاه الانجازات او القرارات التي تهمه سوى الاجتماعية او التنموية او الرياضية مع الوعي للمصالح الكبرى؛ وبالتالي نحصن المجتمع من هذا الفضاء الذي لن نقفل للمنافذ التي توصله الى منازلنا. وكذلك أملي بالاعلام ان يعرف المجتمع بواجباته وحقوقه، وان هذه السلطة الرابعة هي وسيلة فاعلة وسريعة في المحافظة على المال العام وسرعة انجاز استحقاقات التنمية، من خلال إفراد مساحة معقولة لمناقشة المواضيع المالية والمشاريع العامة وكشف قضايا الفساد المالي او الإداري؛ مقرونة بالأدلة التي تعطى لها مصداقية ودون الزج بأسماء اشخاص او مؤسسات بدون ادلة ملموسة غير قابلة للتشكيك. وكذلك جعل منابرنا الإعلامية سوى الحكومية او الخاصة تتوازى مع الثقل السياسي لبلادنا في جميع الاستحقاقات السياسية التي لنا مساهمات بها؛ وألا نترك للغير ان يشوه او يشكك في مصداقية الجهود والمواقف السياسية التي نبذله هنا او هناك دونما ان يكون توضيح لها مع الاحتفاظ بنفس الهدوء وعدم الانفعال او التسرع وهي طبيعة تعرف بها السياسة السعودية؛ خاصة وان قادم الأيام يمكن ان يحمل لنا مفاجأة على مستوى التراشق الإعلامي في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة، ونحن نعرف ان هناك بعض التحولات على مستوى التحالفات الاستراتيجية وهذه تخدمها مؤسسات اعلامية لها انتشارها وتأثيرها وقد نجد البعض ممن كان يحسب على هذه الفريق قد يتحول الى ذلك الفريق؛ وبالتالي فان هذه الأمور مهم ان يكون لاعلامنا كلمة بها، ولا يمكن التعامل معها بنفس السياسات السابقة عندما لم يكن الانتشار الإعلامي بنفس ما هو عليه اليوم وهذا يحتم على العلاميين والمتخصصين في التحليل السياسي لدينا ان يكون اكثر اطلاعاً ومواكبة لم ينشر. وأخير على الجهات ذات العلاقة ان تسارع في منح التراخيص للمؤسسات اعلامية في مناطق المملكة المختلفة وخاصة تلك المناطق التي لا يوجد بها منابر اعلامية سيارة. وما هو المانع ان تنتشر المحطات الإذاعية والتلفزيونية على الأقل على اتجاهات المملكة الأربع؛ بحيث تسهم في تغطية الأحداث والفعاليات ونقل هموم اهلها الى اصحاب القرار السياسي؛ ويمكن ان تسهم في اكتشاف مواهب اعلامية هي في الأخير تصب في المصلحة الوطنية العليا؛ وتحسس الآخرين بأن التنمية لدينا ليست محصورة في مناطق بعينها. الأمل؛ وما أكثره؛ ان نستفيد من الحرية الإعلامية الممنوحة بحيث يسمح للجميع بأن يشاركوا في طرح آرائهم مادمت لا تحمل تهديداً للوطن ومكتسباته؛ ولا تتعارض مع الأصول والمبادئ التي قام عليها هذا الكيان؛ مع عدم ترك تفسير هذه الأصول والمبادئ لأشخاص او القائمين على المؤسسات الإعلامية بل يجب ان يكون ذلك عبر تفسيرات رسمية يمكن ان يطلع عليها الجميع ويحتكم اليها في حل نشوب اختلاف على مادة اعلامية معينه؛ لأن التقدم التكنولوجي يتسارع في تطوره بحيث لن يصبح للحجر الإعلامي بالطرق والوسائل السابقة فعالية تذكر؛ لذلك فان النظم السياسية الطامحة الى التقدم والتنمية تسعى في توظيف الحرية الإعلامية المنضبطة في العمليات الرقابية لمستوى اداء مؤسساتها التنفيذية.