الأعمال الأدبية الكبرى، غائبة أو تكاد من الدراما التلفزيونية. ليس عربياً وحسب، بل وعالمياً، حيث الإنتاج التلفزيوني يحظى بإمكانات إنتاجية ضخمة، ويستطيع تحقيق ما يشاء من الروايات وهو مطمئن لسلطة الشاشة الصغيرة، واتساع انتشارها في فضاءات الكون كلّها. هل يحدث ذلك بسبب مناخات اجتماعية عالمية تفارق ذلك النوع من «الأدب الرزين» وما يشيعه من جدّية قد لا تروق الجمهور العريض من مشاهدي أيامنا الرّاهنة؟ لا أظن أن السبب يكمن هنا، بل ربما في مكان آخر لعلّه تأثيرات العولمة ونموذجها الأبرز البث الفضائي بما يحمله من بحث عن المشترك بين المشاهدين الذين صاروا بعشرات الملايين، أي بأمزجة وذهنيات وهويات ثقافية متعدّدة. الرواية هي فاكهة الدراما، وهي أيضاً حجر زاوية أحداثها وشخصياتها، وهي بالتأكيد «جنس فني» مغاير تماماً لتلك «المرويات» التي نطالعها في الأعمال الدرامية التلفزيونية. فالرواية (المكتوبة أولاً، والمصوّرة لاحقاً) هي سفر يستوعب عوالم وأجيالاً، وينفتح على حركة اجتماعية بالغة الغنى والتعقيد، يرى منتجو التلفزيون اليوم أنها «ثقيلة» على روح المشاهد، ولا تتوافق مع زحام الإعلانات التجارية المختلطة بأغاني الفيديو كليب، كما ببرامج المنوعات. «العالم أقلُ جديّة ممّا يرغب فيه المثقفون». هكذا يردُ المنتجون، وهم حين يعودون بين وقت وآخر لإنتاج عمل عن رواية أدبية مهمة، يفعلون ذلك بروح من يقدم على «مغامرة كبرى»، لا يمكنه تكرارها كثيراً... ما يعيد الأمر للعادات التلفزيونية الجديدة في بحثها عن الاستهلاكي والسريع الذي تعيشه البشرية اليوم. من هنا تصبح الروايات البارزة أقرب الى الشاشة السينمائية التي تظلُ تحتفظ بنخبوية وانتقائية، تحفظان لها رزانة المشاهدة ووقعها المختلف. هي هواجس تمرُ ونحن في حمّى الإنتاج العربي تحضيراً لليالي شهر الصوم المقبل. وهو إنتاج بالغ في ابتعاده عن الأدب الروائي، والتحق أكثر فأكثر بعوالم المشاهير من أهل الأدب والفن الذين تحقّق مسلسلات سيرهم نجاحات جماهيرية بصرف النظر عن قيمتها أو بقائها في ذاكرة المشاهدين.