في لندن المكتظة بالأعراق وجوازات السفر وسيارات الأجرة السود والباصات الحمر الطويلة، يمضي كل سائح إلى غايته التي جاء من بلده لأجلها. لكن السعوديين، حين يضربون في الأرض سفراً، فإنهم لا يتركون عاداتهم في البيت، إنما يحملونها معهم في حقائبهم، يذهبون بطباعهم وأمزجتهم وحساسياتهم نفسها، لا يخلعون منها مقدار «جورب»، يأتون إلى وجهتهم السياحية بطعامهم وشرابهم، يملأون حقائب سفرهم بالتمر والقهوة والرز، ينقلون المشهد نفسه من شاشة السعودية إلى شاشة لندن وإنما بلباس مختلف. وحين يقول قائل اننا نسافر من أجل أن «نغير جو»، فإن السعوديين صدقاً لا يفعلون أكثر من «تغيير الجو»، إذ يستبدلون درجاتهم المئوية التي تُقبّل رأس ال 50، بدرجات حرارة لا تمد ساقها إلى أبعد من 25 درجة. أما «السفر» و «فوائده» فليست سوى «حكمة ضالة». يطبخون «الكبسة» في الفنادق والشقق الفخمة، وإن أعياهم «المكان» و «الأدوات» اقتفوا أثرها في شارعهم العربي المفضل «إدجوار رود»، الذي يعتبره بريطانيون بقعة «خليجية» طرأت على خريطة مدينتهم فجأة. يلبسون ساعات «ثمينة» وتتصدر قمصانهم علامات تجارية باهظة، وتحمل نساؤهم على أكتافهن حقائب يستدعي حملها دفع مال وفير، ومع ذلك يتسابقون إلى البضائع المخفضة الأسعار، مثلما يسابق ظمآن في الصحراء إلى نبع ماء. يمشي السعوديون والخليجيون عموماً في شوارع لندن وكأن فوق رأس كل واحد منهم علامة تدل على أنه سعودي أو خليجي، حتى وإن تشابهت سحنات وجوههم مع وجوه أخرى في القارة نفسها، فهم إما يتهندمون وكأنهم يتحركون وسط حفلة، لا في أمعاء شارع تختلط فيه الأجساد والروائح ونكهات مطابخ العالم، وإما يجوبون البلاد بملابس الرياضة كأنهم لم يغادروا استراحاتهم قيد أنملة. سيماهم في وجوههم وفي ملابسهم وفي أيديهم التي لا تخلو عادة من هاتفين نقالين، وأما أطفالهم ففي ذمة الخادمات وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. فوجود الخادمة هو فقرة اساسية من فقرات الاستعراض التي تتبدى في أكثر من صورة، أبرزها سيارات الأجرة التي تقل عائلات وسيدات من وإلى المركز التجاري العالمي «هارودز» والتي تستنزف جيوب راكبيها، إذ تستقل هذه العائلات أو السيدات الحافلة، من مقر إقامتهن البعيد، وربما الرخيص أيضاً في اتجاه «هارودز». وقبل خمس دقائق من الوصول إلى المحطة المؤدية إليه، يغادرن الحافلة، ويركبن سيارة أجرة، مقابل أجر زهيد في متناول اليد، لتوقفهن أمام بوابة المركز الرئيسة، فيما ينزلن بزهو يخفي وراءه قصة «باص» طويلة.