عندما تولى الاقتصادي الاصلاحي الدكتور سلام فياض، القادم من صندوق النقد الدولي، رئاسة الحكومة الفلسطينية عقب الانقسام في حزيران (يونيو) عام 2007 وجد أمامه موازنة ليس فقط خاوية وإنما مثقلة بالديون: بليون دولار أجوراً متأخرة للموظفين، والتزامات للقطاع الخاص متراكمة من عهد حكومة اسماعيل هنية التي حوصرت على مدى عام ونصف عام. حوالى 900 مليون دولار ديوناً للبنوك المحلية. حوالى بليون ونصف بليون دولار ديوناً للصناديق العربية منذ عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات. تدفقت أموال المانحين بادئ الأمر على حكومة فياض والسلطة الفلسطينية بعد انحسار طويل، ما مكّن الحكومة من التخلص من نسبة كبيرة من تلك الديون، وإعادة صرف رواتب الموظفين بصورة منتظمة طيلة السنوات الأربع الماضية من دون انقطاع. لكن أموال المانحين تلك سرعان ما تباطأت، وتوقفت لدى البعض ما أعاد الازمة من جديد. وكان فياض، الذي أدرك أن أموال المانحين لن تواصل تدفقها على الفلسطينيين الى الأبد، انتهج سياسة مالية تهدف الى تقليص الاعتماد على المانحين لأغراض الموازنة تدريجاً، وصولاً الى الاستغناء عنها بالكامل بحلول عام 2013. ونجحت هذه السياسة في تقليص الاعتماد على المانحين بنسبة النصف، إذ تقلصت من 1.8 بليون دولار عام 2008 الى 970 مليون دولار هذا العام. ووفق فياض، فإن حكومته تلقت تعهدات من الدول المانحة بتقديم المساعدات التالية لأغراض الموازنة في السنوات الأربع الأخيرة: 1.8 بليون دولار عام 2008، و 1.3 بليون عام 2009، و1.1 بليون عام 2010، و970 مليون دولار عام 2011. لكن عدداً من الدول المانحة لم تفِ بالالتزامات التي قدمتها للسلطة، خصوصاً في العامين الأخيرين، ما أدى الى تراكم عجز في موازنتها تحول هذا الشهر الى أزمة مالية تركت الحكومة غير قادرة على دفع رواتب موظفيها للمرة الاولى منذ اربع سنوات. وأوضح فياض ان عدم وفاء بعض الدول بالتزاماتها أدى الى حدوث عجز بقيمة مئة مليون دولار العام الماضي، تبعه عجز تراكمي بقيمة ثلاثين مليون دولار شهرياً منذ مطلع العام الحالي. وكانت الحكومة دفعت قبل أيام نصف رواتب موظفيها البالغ عددهم 151 ألفاً. ولفت فياض الى ان حكومته التي ورثت ديناً للبنوك المحلية بقيمة حوالى بليون دولار لم تعد قادرة على أخذ المزيد من الديون من أجل دفع رواتب الموظفين. لكنه تعهد باستكمال دفع تلك الالتزامات حال توافر المال. وتظهر أرقام وزارة المال الفلسطينية أن جميع الدول التي توقفت عن تقديم المال الى السلطة الفلسطينية هي عربية. وذكر فياض ان الدول العربية قدمت الكثير من المال للسلطة، ما مكنها من معالجة ازمتها الحادة السابقة. لكنه أشار الى ان توقف بعض تلك الدول عن تقديم العون للفلسطينيين أدى الى تفجر الأزمة قبل أن يتمكن الاقتصاد الفلسطيني من إعادة بنائه بعدما دمرته اسرائيل في سنوات الانتفاضة السبع من 2000 الى 2007. وأضاف ان "خطتنا تقضي بالتوقف تماماً عن الاعتماد على المساعدات الخارجية للموازنة، وحققنا تقدماً كبيراً في هذا الاتجاه، لكن توقف بعض الدول المانحة عن تقديم العون أدى الى حدوث الأزمة". وشككت بعض الاطراف في قدرة الفلسطينيين على إدارة دولة مستقلة بسبب الازمة المالية. لكن فياض يقول ان السلطة نجحت في تحويل مؤسساتها الى مؤسسات دولة، وهي قادرة على إدارة الشعب الفلسطيني فور زوال الاحتلال، مؤكداً انه "على العكس، فإن الاحتلال هو العائق الوحيد الباقي أمامنا، وإلا لما واجهتنا أية ازمة مالية". وتسيطر إسرائيل على جميع المعابر الموصلة الى الاراضي الفلسطينية، وتعمل على تحصيل أموال الجمارك والضرائب عن البضائع الواردة اليها، وتحويلها الى السلطة بعد تقاضي نسبة 3 في المئة منها. وكثيراً ما تستخدم اسرائيل هذه الاموال للضغط على السلطة لأغراض سياسية. ويقول الخبراء ان الأزمة المالية للسلطة نجمت عن التوظيف السياسي الذي اتبعته وأدى الى تضخم الجهاز الوظيفي لها في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي وجد في السلطة وسيلة لحل مشكلة البطالة في مجتمع فقير، محتل ومحاصر. وبلغ عدد موظفي السلطة 180 الفاً. لكن فياض عمل في السنوات الاربع الماضية على تقليصه الى 151 ألفاً عبر الغاء وظائف غير حقيقية، وإحالة نسبة كبيرة من العسكريين الى التقاعد المبكر.