أثارت المصالحة الوطنية بين حركتي «فتح» و «حماس» الكثير من البهجة بين الفلسطينيين، لكنها وضعتهم على أعتاب أزمة مالية بالغة الشدة. وكانت السلطة الفلسطينية تعاني قبل المصالحة أزمة مالية متراكمة جراء عدم وفاء بعض الدول المانحة (جميعها دول عربية) بتعهداتها. ويتوقع ان تتفاقم هذه الازمة بصورة كبيرة في حال انحسار الدعم المالي من دول أخرى مثل الولاياتالمتحدة وتوقف التحويلات الجمركية من إسرائيل. ووفق رئيس الوزراء سلام فياض، فإن عدم وفاء هذه الدول بتعهداتها أدى الى حدوث عجز متراكم في موازنة السلطة لهذا العام بقيمة ثلاثين مليون دولار شهرياً، تُضاف اليها مئة مليون دولار من العجز المتراكم منذ العام الماضي. وسيؤدي تشكيل حكومة وحدة وطنية الى ارتفاع عدد موظفي السلطة من 151 ألف موظف حالياً الى 183 ألفاً، بعد اضافة 32 ألفاً يعملون في الحكومة المقالة في قطاع غزة، الامر الذي سيزيد العجز المالي. وتبلغ المصاريف الجارية للسلطة الفلسطينية 3.2 بليون دولار، والمصاريف الجارية لحكومة غزة 540 مليون دولار. ويتوقع مسؤولون كبار في السلطة أن يوقف الكونغرس الاميركي المساعدات للسلطة الفلسطينية فور تشكيل حكومة الوفاق الوطني. وتقدم الولاياتالمتحدة حوالي نصف بليون دولار الى السلطة سنوياً (474 مليون دولار) منها 210 ملايين دولار الى الموازنة، والباقي لمشاريع البنية التحتية ولوكالة غوث وتشغيل اللاجئين. ويخشى الفلسطينيون أن يشكل توقف الدعم الاميركي حافزاً لاسرائيل لوقف التحويلات الجمركية والضريبية للسلطة التي تبلغ قيمتها نحو مئة مليون دولار شهرياً، تشكل ثلثي فاتورة الرواتب الشهرية الحالية. ونجحت الحكومة الفلسطينية بقيادة سلام فياض في السنوات الاخيرة في تقليص حاجتها الى الدعم الخارجي من 1.8 بليون دولار العام 2008 الى 890 مليوناً هذا العام. وقال فياض أمس إن خطة حكومته «تقضي بوقف الاعتماد على الدعم الخارجي لأغراض الموازنة بصورة كلية في غضون العامين المقبلين». لكن فاتورة المصالحة الوطنية ستجعل تحقيق هذا الهدف أمراً بالغ الصعوبة. وبدأ الفلسطينيون يعدّون للتوجه الى الدول العربية لتوفير الدعم المالي لهم في حال توقف الدعم الاميركي والتحويلات الجمركية من اسرائيل. وقال فياض أمس لدى توقيعه اتفاق دعم ياباني إضافي الى السلطة بقيمة 6.5 مليون دولار إنه يأمل ان تعمل الدول العربية على توفير الدعم اللازم للفلسطينيين في هذه المرحلة. وأضاف: «لطالما وقف العرب الى جانبنا مالياً وسياسياً، لكننا نعاني منذ منتصف العام الماضي من أزمة مالية متراكمة جراء عدم وفاء بعض الدول، خصوصاً العربية، بتعهداتها تجاه الشعب الفلسطيني». وقال فياض إن قيمة الدعم العربي للسلطة الفلسطينية للعام الجاري بلغت 52.5 مليون دولار وهو أقل بكثير من المبلغ المستحق وفق تعهدات تلك الدول.