بعد مرور الثلث الأول من الشهر الجاري، تلقى موظفو السلطة الفلسطينية 151 الفاً (60 في المئة من رواتبهم) بسبب تأخر عدد من الدول المانحة عن تقديم المساعدات المالية التي تعهدت بها. وتشير الأرقام الصادرة عن وزارة المال، إلى أن السلطة، التي تأسست العام 1994 لتكون جسراً ينقل الفلسطينيين من الاحتلال الى الاستقلال، باتت وبدرجة كبيرة أسيرةً للدول المانحة، وأنها ربما تنهار إذا ما توقف الدعم الخارجي عنها. وتُظهر الأرقام أن النفقات الشهرية للسلطة تقارب 300 مليون دولار، بينما لا تزيد إيرادتها عن 150 الى 160 مليون دولار. وتتشعب نفقات السلطة بين رواتب موظفين (200 مليون دولار شهرياً) الى مخصصات مالية ورواتب للأسرى في السجون الاسرائيلية، (5 آلاف)، ومثلها لعائلات الشهداء البالغ (20 ألفاً) ومخصصات الشؤون الإجتماعية، والمخيمات الفلسطينية في الخارج، خصوصاً في لبنان، ونفقات المشافي وغيرها. ويضاف الى النفقات المشاريع التطويرية التي تتلقى دعماً خاصاً من الدول المانحة التي تعمد كل واحدة منها إلى الإشراف على تنفيذ مشاريعها. ولجأت قيادة منظمة التحرير الى فتح باب التوظيف على مصراعية في السلطة عند تأسيسها، في مسعى منها لحل مشكلة البطالة. وتسارعت نسبة التوظيف بعد اندلاع الانتفاضة العام ألفين بسبب الضغوط على السلطة من الجماعات المختلفة المؤثرة. ووصل عدد الموظفين في السلطة الى 185 الفاً، تراجع الى 151 الفاً بعد سلسلة إجراءات إصلاحية اتخذها رئيس الوزراء سلام فياض منذ توليه رئاسة الحكومة منتصف عام 2007. وبلغت موازنة السلطة للعام الجاري حوالى 4 بلايين دولار، منها أكثر من بليون دولار مساعدات خارجية. وقال وزير المال نبيل قسيس ل «الحياة»، إن السلطة تلقت من هذه المساعدات 466 مليون دولار، الأمر الذي تركها عاجزة عن دفع رواتب موظفيها بصورة منتظمة وكاملة. ويقول المسؤولون في وزارة المال إن الدول المتأخرة عن دفع مساعداتها هي الدول العربية بالدرجة الأولى. وكان من المقرر أن تقدم الولاياتالمتحدة مساعدتها السنوية لموازنة السلطة، البالغة 200 مليون دولار، في حزيران (يونيو) الماضي، لكنها تأخرت لأسباب غير معلنة. ولجأت السلطة الفلسطينية في السنوات الثلاث الأخيرة الى الاقتراض من المصارف المحلية لإكمال دفع رواتب موظفيها. وقال وزير المال إن وزارته لم تتمكن هذا الشهر من الاستدانة لاستكمال الرواتب بعدما تخطت الحد المسموح به من الاقتراض من المصارف، وقدره 1.2 بليون دولار. وتراكمت على السلطة في السنوات الأخيرة ديون أخرى محلية بلغت نحو بليون دولار للموردين، خصوصاً موردي الأدوية، ولصندوق التقاعد وغيرها. ومن المتوقع أن تتضاءل قدرة السلطة على دفع الرواتب والاستحقاقات الأخرى في الشهور المقبلة في حال عدم تلقي مساعدات مالية خارجية كبيرة. وتشير تقديرات متقاربة الى أن قيمة المساعدات الخارجية للسلطة في السنوات الست الاولى قاربت 15 بليون دولار. وعادت الدول المانحة لاستئناف مساعداتها بقوة بعد الانقسام بين «فتح» و «حماس» في أوساط العام 2007. لكن تغيير أوليات الدول المانحة بعد ظهور الأزمة المالية العالمية، والربيع العربي، أدى الى تراجع هذا الدعم، ما تسبب بحدوث الأزمة التي تهدد قدرة السلطة على تقديم الخدمات للجمهور الفلسطيني، وفي مقدمة ذلك رواتب موظفيها. وترافقت الازمة المالية للسلطة مع أزمة اقتصادية في الأراضي الفلسطينية تتمثل في تراجع مستويات النمو وتزايد البطالة التي وصلت الى 26 في المئة من القوى العاملة. ويرى المراقبون أن السلطة ستظل تعتمد على المساعدات الخارجية بدرجة كبيرة طالما بقي الاحتلال الإسرائيلي متحكماً في الموارد والمعابر الفلسطينية. وفشلت محاولات السلطة لجذب الاستثمارات الخارجية بسبب سيطرة إسرائيل على 60 في المئة من الضفة الغربية، وهي المساحة المرشحة لإقامة الاستثمارات، بخاصة المناطق الصناعية عليها، وتحكّمها في الصادرات والورادات من خلال سيطرتها على المعابر.