سيطرت أجواء من الخوف والترقب من العودة إلى الاقتتال الداخلي بين حركتي «فتح» و»حماس» على خلفية عدم دفع رواتب أكثر من 40 ألف موظف من حكومة «حماس» السابقة. وبرزت الأزمة الأربعاء الماضي، أي بعد يومين على أداء حكومة الوفاق الوطني برئاسة رامي الحمد لله، اليمين أمام الرئيس محمود عباس الاثنين الماضي، والذي استبشر به الفلسطينيون خيراً، واعتبروه أولى الخطوات على طريق المصالحة الطويلة. لكن أحلام الفلسطينيين، خصوصاً «الغزيين»، بإنهاء الانقسام، تلاشت وخيم شبح الحرب الأهلية، وظلال كثيفة من الشك تجاه نيات الحركتين الأكبر في فلسطين في إنجاز المصالحة وعودة اللحّمة الوطنية. واستذكر فلسطينيون الأوضاع التي سادت في القطاع في خريف عام 2006 ومهدت للاقتتال الداخلي الذي انتهى إلى سيطرة حركة «حماس» على القطاع بالقوة وطرد قوات السلطة الفلسطينية وحركة «فتح» من القطاع. وكانت «حماس» شكلت الحكومة العاشرة منفردة في أعقاب فوزها بنحو 74 مقعداً من مقاعد المجلس التشريعي ال 132 مطلع عام 2006. وبعدما نالت الحكومة الثقة نهاية آذار (مارس) عام 2006، فرض المجتمع الدولي وإسرائيل حصاراً سياسياً ومالياً عليها، ما أعجزها عن الإيفاء بالتزاماتها المالية، ولم تتمكن من دفع رواتب موظفيها المنتمين في معظمهم إلى «فتح» الذين رفضوا التعاون معها أيضاً. وبعد شهور من المعاناة الشديدة، نزل آلاف رجال الأمن في أيلول (سبتمبر) عام 2006 إلى الشوارع يطالبون حكومة «حماس» بدفع رواتبهم، ووقعت اشتباكات في طول القطاع وعرضه انتهت بمواجهات مسلحة أفضت في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه (الأحد الأسود) إلى مقتل 9 موظفين وإصابة أكثر من 100 آخرين بجروح على يد ما كان يعرف آنذالك ب «القوة التنفيذية» التي شكلتها «حماس» للاستعانة بهم في أداء الأعمال الشرطية والأمنية، نظراً لرفض رجال الأمن الانصياع لأوامر وزير الداخلية الشهيد سعيد صيام. واليوم يتكرر المشهد نفسه، إذ دفعت حكومة الوفاق الوطني رواتب نحو 70 ألف موظف من القطاع يعملون لصالحها، ولم تدفع رواتب موظفي «حماس» الذين تم الاتفاق في اتفاق المصالحة على دمجهم ودفع رواتبهم. وينص الاتفاق على النظر في المسميات الوظيفية والرواتب لموظفي «حماس» المدنيين والعسكريين من قبل لجنة يتم تشكيلها بعد تشكيل الحكومة مباشرة، على أن تقدم تقاريرها خلال أربعة أشهر. ويخشى الفلسطينيون من عودة شبح الاقتتال الداخلي، فيما اشتكى آلاف التجار ورجال الأعمال والموظفون غير الرسميين من إغلاق البنوك وتعطيل مصالحهم، وعدم قدرتهم على الشراء، ما أصاب الأسواق بركود غير مسبوق. ولم يتمكن ذوو شهداء الحربين الأخيرتين على القطاع من استلام رواتبهم أيضاً التي تم تحويلها للبنوك أمس، وجلهم ينتمي إلى «حماس». وقال موظف لدى السلطة الفلسطينية لم يتمكن من استلام راتبه ل «الحياة» إن موظفي «حماس»، يساندهم رجال الشرطة والأمن، «منعونا من قبض رواتبنا من البنوك»، وهم «لم يصبروا يومين بعد تشكيل الحكومة. لكن إحنا صبرنا ستة أشهر». واستذكر آخر ما وصفه «الأحد الأسود عندما أطلقوا علينا النار لأننا طالبناهم بدفع رواتبنا». واشتكى ثالث من أن «رجال أمن بزي مدني ورجال شرطة هددونا وقالوا: لن تقبضوا رواتبكم إن لم نقبض نحن». وقال شهود ل «الحياة» إن رجال الشرطة منعوا أمس البنوك في كل القطاع لليوم الثاني من فتح أبوابها، مضيفين أنهم منعوا موظفي البنوك من دخولها. وأوضح شهود من مدينة رفح أقصى جنوب القطاع أن رجال شرطة اعتدوا بالضرب على المواطنين أمس عندما تجمهروا أمام فرع البنك الإسلامي الفلسطيني لاستلام رواتبهم. وأضافوا أنهم اعتدوا أيضاً على أحد المواطنين بالضرب المبرح لأنه كان يلتقط صوراً أثناء الضرب. من جهته، استنكر الرئيس محمود عباس خلال لقاء مع قناة «صدى البلد» المصرية ليل السبت - الأحد إغلاق البنوك ومنع الموظفين من استلام رواتبهم، وقال إن «هذا يعطي إشارة سلبية عن أهداف حماس من المصالحة». وأضاف: «لن نستطيع دفع رواتب موظفي حماس قبل أن نتفق (في إشارة إلى انتهاء اللجنة من عملها). فلتدفع لهم كما كانت تدفع سابقاً... الحكومة الحالية لن تتمكن من دفع رواتب الموظفين الجدد». ولم تدفع حكومة «حماس» رواتب موظفيها عن الشهرين الماضيين، في حين دفعت لكل موظف منهم نصف راتب منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي بسبب تضييق الخناق عليها، فيما تعاني السلطة الفلسطينية من أزمة مالية خانقة أيضاً. ورد عدد من قادة «حماس» بغضب على ما يحدث، وعاد خطاب الانقسام إلى المشهد الداخلي، ولمحوا إلى احتمال فرط عقدها. واعتبر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في «حماس» أسامة حمدان أن «المواقف الراهنة» من جانب «فتح» وعباس «ستحدد مسار المصالحة خلال الفترة المقبلة». ورأى في تصريح أمس أن «السلوك الراهن يكشف غياب الجدية في تحقيق المصالحة، وهي بحاجة إلى بناء الثقة من طرفهم، ولا يمكن أن تتم بالوعود الوردية، بل بحاجة لترجمة عملية من جميع الأطراف». إلا أن القيادي في «حماس» محمود الزهار كان أكثر «هدوءاً وموضوعية»، إذ اعتبر أن «من الصعب الحديث عن أداء الحكومة الجديدة لأنها لم تُكمل أسبوعها الأول بعد». وأضاف: «هذا أمر غير منطقي أن نحكم على أداء الحكومة في الوقت الحالي... عندما نريد أن نحكم على الحكومة، فبعد 100 يوم على الأقل، لذلك يجب أن نعطيها فرصتها بعمل أشياء جيدة للشعب الفلسطيني وللوصول إلى ما يتمناه الشعب من المصالحة».