لم يترك تزامن الصيف مع حلول شهر رمضان الكريم بداية الشهر المقبل، أدنى ارتياب في أن أغلب المغاربة رتّبوا أنفسهم على البقاء في بيوتهم. والسبب الرئيسي أن المغاربة يبقون في بيوتهم في شهر الصيام، ويبدأون تحضيراتهم قبل حلوله بفترة من الزمن، استعداداً لاستقباله بطرق شتّى، من تنظيف لأركان المنازل، وملء برّدات الثلاجة والخزانات بالحلويات التقليدية والمقبلات العصرية المصنوعة بمهارة ربات البيوت وبناتهن، فضلاً عن الاستعداد الروحي أيضاً، فعدد منهم يصوم ما تيسّر من أيام في شهر رجب. ويرتكز موسم الصيف هذا العام على شهر تموز (يوليو)، الذي تآكلت مدة العطلة فيه، بعد تأخير غير مألوف لموعد الامتحانات الدراسية النهائية للبكالوريا والإعدادية، وحتى الابتدائية، نقلت معه الأسر برامج عطلتها إلى منتصف الشهر. هذه عوامل إذ أثرت في السياحة الداخلية، فهي لا تؤثر في العادة في السياحة الأجنبية الوافدة إلى المغرب في الصيف، بل إن عوامل إقليمية مرتبطة بهبوب «الربيع العربي» على منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، عزّزت قبل أكثر من ستة أشهر حظوظ المغرب في استقطاب أعداد غير مسبوقة من السيّاح الذين ألفوا تمضية العطلة الصيفية في بلدان أخرى، مثل مصر وتونس وسورية، على رغم أن موجة الربيع العربي لم توفر شوارع البلد التي تشهد منذ العشرين من شباط (فبراير) الماضي، بعض المسيرات الشعبية السلمية المتواصلة والتي تطالب بالتغيير والديموقراطية. مع نهاية نيسان (أبريل) الماضي، أدت عملية إرهابية استهدفت مدينة مراكش، العاصمة السياحية للمغرب وواحدة ضمن أفضل الوجهات السياحية العشر في العالم، إلى وقف صعود نجم المغرب كوجهة سياحية من الأكثر أماناً في المنطقة. وكانت العملية استهدفت مقهى معروفاً في الساحة السياحية الرئيسية بالمدينة، وأدت إلى مقتل 17 شخصاً، معظمهم من السيّاح الأجانب. الاضطرابات في المنطقة ككل، والأزمة الاقتصادية العالمية المخيمة في السنوات الأخيرة، تزامنت ومرور القطاع السياحي المغربي بمرحلة نمو مطرد وغير مسبوق. وكان المغرب استقبل العام الماضي نحو 9.3 مليون سائح، بزيادة نحو مليون سائح عن عام 2008، وكان مرجحاً أن تكون وتيرة النمو الأعلى هذا العام. وبحسب إحصاءات وزارة السياحة في المغرب، شهدت الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي زيادة بنسبة 6 في المئة، على رغم تبعات تأثير الهجوم الذي وقع في مراكش، ولا يزال المغرب يحافظ على الوتيرة التصاعدية، مقارنة بنسبة الانخفاض التي طاولت السياحة في مصر وفاقت 60 في المئة، وبلغت 48 في المئة في تونس، وقدرت الوزارة أن أي تراجع لن يصل إلى نسبة 30 في المئة. ومن المتوقع أن يكون الموسم صعباً، وتقوم السلطات السياحية من فترة بتعبئة الفاعلين في القطاع لتحريك عجلة السياحة الداخلية التي ساعدت دائماً في تجاوز أزمات القطاع وعدم اعتماده الكلي على السياحة الخارجية. وقد تمّ طرح خطة سياحية تبدو من قبيل التحدي الذي لا يقهر، ويطمح المكتب الوطني المغربي للسياحة، وهو مؤسسة عمومية مكلفة بتطوير وتسويق المنتج السياحي في الداخل والخارج، اختراق العادات المغربية المتأصلة في شهر رمضان، لتشجيع المغاربة على قضاء شهر الصيام بعيداً من البيت. واقترح المكتب السياحي دعماً يتمثل في توفير برامج للتنشيط والترفيه لكل الفئات في المدن السياحية، تحت عنوان «اختر لون عطلتك»، وذلك لمساعدة المؤسسات السياحية على تقديم عروض مغرية لزبائنها من الأسر، فضلاً عن اقتراحه تضمين العروض المكيّفة مع رمضان، رحلات إلى المساجد في فترات الصلاة والتعبّد ليلاً ونهاراً، وزيارات للفضاءات الدينية كوجهات روحية تناسب الشهر الكريم. وتحظى مدينة مراكش في هذه الحملة بعرض خاص، إذ يقترح المكتب جذب الأسر المغربية بعرض مغر يقوم على مجانية الاستقبال والطعام للأطفال دون الستة عشر سنة. وقد تشجع هذه العروض عدداً من الأسر المغربية على الخروج عن القاعدة في شهر رمضان، وإخلاء البيوت لبعض الوقت، لاختبار الصيام والأجواء الروحانية في أماكن غير معهودة في العطلة الصيفية، إلا أنه يستبعد أن تحقق هذه المبادرة الأولى من نوعها اختراقاً فعلياً لعادات المغاربة المترسخة في هذا الشهر الفضيل... وإن استمرت لسنوات.