«يصعب عليّ التصور أنّه يمكننا قضاء عطلة الصيف هذا العام في مكان آخر غير المنزل»، يقول سالم، وهو ربّ أسرة تتكون من خمسة أفراد. ويضيف: «في العادة نقضي بين أسبوع وأسبوعين في إحدى المدن الساحلية... لكن هذا العام تختلف الأمور كثيراً، وعلى كل المستويات، وبخاصة على المستوى المادي، نظراً الى الظروف الاستثنائية التي مررنا بها». ويبدو واضحاً أنّ أهمّ ما يشغل بال العائلة التونسية بعد انتهاء فترة الامتحانات، والتي مرّت في أجواء من الهدوء، هو بلا شك عطلة الصيف وكيفية قضائها، بخاصة أنّ شهر رمضان يحل هذا العام مع بداية شهر آب (أغسطس)، ما سيؤدي حتماً إلى ازدحام في أجندة العائلات، بسبب تنظيم معظم الأعراس خلال شهر تموز (يوليو) الجاري، بشكل يستبعد نسبيّاً فكرة الاصطياف والسياحة، إلى جانب حسابات مختلفة، أبرزها المصاريف الإضافية التي تتكلفها العائلات التونسية استعداداً لشهر الصيام، والذي سيليه مباشرة موسم العودة المدرسية ومصاريفها. وعلى رغم أن بعض العائلات أو الشباب، استطاعوا أن يجدوا ملاذاً صيفياً في إحدى الدول المجاورة أو البعيدة، إلاّ أن الرحلة تبقى «سريعة»، تماماً كالسياحة الداخلية. ويتحدّث سلمان صاحب مطعم على شاطئ سيدي بوجعفر في مدينة سوسة، بألم كبير عمّا آلت إليه الأوضاع، فالنقص واضح جداً في توافد التونسيين والأجانب على المدينة، وإن كانت الحركة تغيرت مع بداية الشهر الجاري. ويوضح: «في مثل هذا الوقت من كل عام، تكون سوسة قِبلة عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف، وتكاد لا تجد مكاناً في مقهى أو مطعم لتستريح، لكن الآن تبدو الأمور مؤلمة حقاً...». ويمر القطاع السياحي في تونس منذ 14 كانون الثاني (يناير) بفترة كساد كبيرة، أثّرت على مردودية القطاع الذي يوفّر مداخيل مهمة لخزينة الدولة، اذ تراجعت مداخيل القطاع حتى منتصف الشهر الماضي بنسبة 51 في المئة، فيما انخفض عدد الليالي المقضاة خلال الفترة عينها بنسبة 55.3 في المئة، بعد أن تقلص عدد الوافدين بنسبة 41 في المئة. ولتدارك هذا التراجع الكبير والخطير، أطلقت وزارة السياحة والتجارة والجامعة التونسية للنزل، حملة لتشجيع السياحة الداخلية، ما دفع بفنادق عدة إلى تقديم تخفيضات تتراوح بين 30 و50 في المئة للعائلات التونسية، ومع ذلك، لا تزال الأمور غير مشجعة، فغالبية الفنادق التونسية لم تفكر بشكل جدّي في استقطاب السائح المحلّي من خلال تخفيضات وتشجيعات للعائلات التونسية، وفي المقابل، ثمّة سعي حثيث لاستقطاب أكبر عدد ممكن من السيّاح إلى تونس بأسعار تفاضليّة ومغرية. الأمل في التونسيين المغتربين ومن التحركات البارزة لاجتذاب السيّاح، إطلاق الموقع الالكتروني «جورنتر دوت كوم»، الذي سجل بعد عشرة أيام من إطلاقه وحتّى آخر حزيران (يونيو) الماضي، التزامَ أكثر من13 ألفَ تونسيّ مقيم في الخارج بالعودة إلى تونس لقضاء فترة العطلة. وأُطلق الموقع بمبادرة من جمعية «تونسيون من العالم»، تحت شعار «هذا الصيف سأعود»، لتشجيع التونسيين المقيمين بالخارج على العودة خلال العطلة الصيفية. ويقول المشرفون على الموقع، إن التوجه العام لدى التونسيين المقيمين في الخارج يميل بشدة إلى تفضيل العودة إلى تونس خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري، ويشيرون إلى أنّ من ضمن هؤلاء من أمضى سنوات طويلة في الخارج، ولديهم رغبة في الاطلاع على الأوضاع الجديدة في البلاد. ومن الطبيعي جداً أن تسير الأمور بهذا الاتجاه، فماديا التونسي متعب ومثقل بالديون، وهو مرهق نفسيّاً، بعد الأحداث المتسارعة التي شهدتها تونس في زمن قياسيّ، ولعلّ كثيراً من التونسيين لم يفيقوا من الصدمة بعد. أما أمنيّاً، فمازالت البلاد تنتظر وقفة أكثر حزماً، وبخاصة بعد ما روَّجته وسائل إعلام جزائرية وتونسية من اختطاف عروس جزائرية في مدينة سوسة الساحلية أثناء قضائها شهر العسل مع زوجها، وهو ما نفته بشدة أجهزة الأمن التونسي، واعتبرته محاولة لهزّ صورة تونس والإساءة إلى سياحتها... إنه صيف تونسي جديد، لكنه ليس ككل صيف مرّ على تونس، هو صيف استثنائي بكل المقاييس، تغيرت فيه حسابات العائلة وتبدّلت فيه الأولويات.