تراجعت الاحتياطات النقدية الأجنبية للمغرب في النصف الاول من السنة الى ادنى مستوى لها في ثلاث سنوات، متأثرة بالأزمة الاقتصادية العالمية التي قلصت تحويلات المغتربين وعائدات السياحة والاستثمارات الاجنبية المباشرة ما بين 13 و35 في المئة. وعادة يحصل المغرب في فصل الصيف على عائدات مهمة من التدفقات المالية والتحويلات والاستثمارات تغطي نفقات فصلي الخريف والشتاء. وأفاد البنك المركزي المغربي بأن الاحتياط النقدي تراجع 12 في المئة، اي بواقع 23 بليون درهم مغربي (ثلاثة بلايين دولار) بين مطلع السنة وحزيران (يونيو) الماضي، إذ انخفض مخزون العملات الأجنبية والذهب من 192 بليون درهم الى 169 بليوناً، وهي مبالغ تعادل ستة أشهر من واردات السلع والخدمات المختلفة للبلاد. وكان المخزون يساوي أكثر من تسعة أشهر من الواردات قبل سنوات. وأوضح المركزي ان احتياطه النقدي انخفض بمعدل ثمانية في المئة في الربع الثاني، ونحو ستة في المئة في الربع الاول على رغم ظهور بداية استقرار في تحويلات المغتربين وعائدات السياحة التي تعتمد عليها الحكومة في تمويل العجز التجاري الخارجي البالغ 500 بليون درهم (64 بليون دولار). وأظهر تقرير لوزارة المال والاقتصاد المغربية ان عائدات السياحة تراجعت نحو نصف بليون دولار في النصف الأول من السنة، أي 15 في المئة، مقارنة بمستواها في الفترة ذاتها من العام الماضي، وانخفضت تحويلات المهاجرين من دول الاتحاد الأوروبي اكثر من 400 مليون دولار، اي بنسبة 13 في المئة، وتقلصت الاستثمارات الخارجية بنسبة 35 في المئة إلى 890 مليون دولار، وخسرت التجارة المغربية مع الخارج نحو 7.8 بليون دولار. وانعكس الوضع المالي على نشاط المصارف التجارية التي باتت اكثر تشدداً في منح القروض والتمويل. وبلغ مجموع القروض الجديدة المقدمة للافراد في النصف الاول من السنة 25 بليون درهم، في مقابل 50 بليوناً في الفترة ذاتها من العام الماضي. وتراجعت حصة القروض العقارية من 18 بليون درهم الى 11.4 بليون وارتفعت القروض الاستهلاكية الى 14 بليون درهم، ما يعكس استمرار الطلب على مصادر التجهيز والترفيه والسفر. وبلغت قيمة القروض المصرفية الإجمالية 493 بليون درهم، في مقابل 427 بليوناً العام الماضي. ويتطلع محللون الى الربع الثالث من السنة، أي الصيف الحالي، وهي الفترة التي ترتفع خلالها حركة التدفقات المالية والاستثمارية من الاتحاد الأوروبي مع دخول ملايين السياح الأوروبيين إلى البلاد للاستجمام وتملك عقارات ثانوية في اكثر من مدينة مغربية، إضافة إلى مجيء نحو مليوني مغترب لقضاء العطلة واقامة الحفلات والاعراس. وأوضح مراقبون ان عدد السياح والمغتربين ازداد، لكن نفقاتهم تراجعت بسبب الازمة المالية العالمية. العلاقة مع أوروبا والخليج وتظهر الارقام المذكورة اعلاه عمق العلاقة والتبعية الاقتصاديين بين المغرب والاتحاد الأوروبي المتضرر من الازمة الاقتصادية والمالية العالمية. وتتوقع الحكومة المغربية نمواً يزيد على خمسة في المئة من الناتج الاجمالي للبلاد بحلول نهاية السنة، بفضل موسم زراعي استثنائي تجاوز فيه المحصول 10 ملايين طن من الحبوب. ويشكو مهاجرون شباب من صعوبات في تمويل سفرهم الى المملكة لقضاء عطلة الصيف بسبب الضائقة المالية التي تعانيها الشركات الأوروبية حيث يعملون. وتتخوف الحكومة من استمرار الازمة في دول الاتحاد الأوروبي حتى عام 2010، ما قد يدفع نحو تعديل قيمة سلة العملات التي يعتمد عليها الدرهم المغربي في تحديد قيمته في الأسواق العالمية، علماً ان الدرهم مرتبط باليورو وهذا الاخير صار عبئاً على التجارة الخارجية للبلاد لارتفاع قيمته امام الدولار. ويعتقد محللون ان اقتصاد المغرب، على رغم نموه المرتفع المتوقع هذه السنة، تضرر مرتين من الازمة الاقتصادية العالمية، الاولى إذ قلصت دول الاتحاد الأوروبي تدفقاتها المالية وتحويلات الجالية التي يعيش عليها واحد من اصل ثمانية من السكان، والثانية إذ قلصت دول الخليج العربي استثماراتها الضخمة في البلاد. ويتساءل المغاربة عن مصير نحو 20 بليون دولار من الاستثمارات العربية كانت وُقِّعت عقودها في احتفالات كبيرة أُحيطت باهتمام رسمي وإعلامي بارز. وباستثناء بعض المشاريع السياحية والعقارية في طنجة ومراكش التي تنفذها مجموعة «بيت التمويل الخليجي» البحرينية و «إعمار» الاماراتية و «الديار» القطرية، تسجل بقية المشاريع الاخرى تأخيراً وصعوبات في استكمال البرامج المخطط لها سلفاً. وعلى عكس الشركات الأوروبية التي تخضع لشروط المناقصة الدولية، استفادت الشركات العربية من امتيازات ضريبية وتسهيلات ادارية ومصرفية مقدمة من السلطات المغربية، وحصلت على الأراضي بأسعار رمزية لتشجيعها على المجيء والاستفادة من خبرتها في بناء المدن الجديدة.