في رئيس الحكومة اللبنانيّة نجيب ميقاتي شيء من الإيمان بالسحر وتعويذاته. فحين ينقسم اللبنانيّون بين قائل إنّ المحكمة الدوليّة طريق الخلاص والعدالة، وهو ما جدّدت 14 آذار قوله في مؤتمرها الأخير بفندق البريستول، وقائل إنّ المحكمة نفسها أداة صهيونيّة - أميركيّة متآمرة على لبنان، فضلاً عن تآمرها على المقاومة، وهو ما جدّد قوله الأمين العام ل «حزب الله» السيّد حسن نصر الله في كلمته الأخيرة...، تكون التسوية مستحيلة تماماً. فلا يمكن، مثلاً، للحكومة، نفس الحكومة، أن توافق، ولو نظريّاً، على تسليم مطلوبين، أو أن تمضي في تمويل المحكمة، معتبرة أنّها، بهذا، تلبّي أوامر «العدوّ الصهيونيّ» وتستجيب مصالحه!. وقد لا نبالغ إذا قلنا إنّ موقع رئيس الحكومة، والحال هذه، يغدو مستحيلاً. وهذا تعبير طبيعيّ، وإن لم يكن وحيداً، عن الشرخ العميق الذي يضرب الاجتماع اللبنانيّ برمّته، فلا تفيد معه الشطارة ولا يمكن للسحر أن يسحره. يفاقم هذا الانسدادَ القائم عنصران. فحين يعلن نصر الله أنّ أيّاً كان، سمّه نجيب ميقاتي أو سعد الحريري أو فؤاد السنيورة، لن يستطيع اعتقال المطلوبين من «حزب الله»، لا اليوم ولا بعد 300 سنة، يكون يؤكّد المدى الذي يبلغه موقفه الحدّيّ. فهو، بهذا، لا يقرّ فحسب بواقع الازدواجيّة القاتلة للسلطة في لبنان، ونحن جميعاً على بيّنة من ذلك، بل يعلن استحالة قيام الدولة إلى ما شاء الله. وفي هذا يتبدّى كم أنّ تلك الاستحالة ليست مجرّد نقص في الشروط الموضوعيّة، وهو نقص مؤكّد لا تعوزه البراهين، بل هي أيضاً صناعة وقرار ذاتيّان وإراديّان إلى حدّ بعيد. أمّا العنصر الآخر فهو واقع الانتفاضة السوريّة التي، إذ تلحق الشلل بفعاليّة النظام السوريّ في لبنان، تحضّ خصوم هذا النظام، وهم أيضاً ضحاياه، على المضيّ في موقف حدّيّ معاكس. فليس سرّاً أنّ القوّة التي أحرزها المعسكر المعروف ب8 آذار، العسكريّ منها والسياسيّ على السواء، ارتبطت بنفوذ دمشق، بعد نمائها في كنف الرعاية السوريّة وأجهزتها. يصحّ هذا لا في النظر الإجماليّ فحسب، بل ينطبق على كلّ خطوة في طريق مراكمة البأس والسلطان. فحين يباشر النفوذ المذكور انحساره، وإن كان يفعل في لبنان بأبطأ كثيراً ممّا يحصل في سوريّة، لا يعود مقبولاً ما كان مقبولاً يوم أمس أو ما هو مقبول اليوم. وهذه بديهة في أيّ نشاط سياسيّ. وقصارى القول إنّنا، في لبنان، متّجهون إلى استقطاب وتصعيد قد يصعب التحكّم بهما، وإن كان من الصعب استشراف الأشكال التي سيرسوان عليها. ومن يدري، فقد يأتي نشر القرار الظنّي ليرشّ ملحاً كثيراً على جروح متقرّحة أصلاً، فيضيف محاكمة سياسيّة لبُنية بأكملها ولطاقم من الرموز الذين يتوزّعون على القوى جميعها. وهذا ما سوف يصعب منع تداعياته من أن تفيض على العلاقات الأهليّة. ما الذي يستطيعه ميقاتي حيال ذلك الفيضان؟. أغلب الظنّ: لا شيء.