بدا لبنان امس متجهاً نحو معركة سياسية بالغة الحدة سيكون مسرحها الاول مجلس النواب، الذي يجتمع غدا لمناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي. ففي بيان اصدرته امس، بعد لقاء عقدته في فندق البريستول، طالبت قوى 14 آذار الرئيس ميقاتي بان يُعلن صراحة في بداية مناقشات البيان الوزاري التزامه الصريح القرار 1757 المتعلق بالمحكمة الخاصة بلبنان «والا فليرحل مع حكومته غير مأسوف عليهما». ووصف البيان، الذي تلاه رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة، حكومة ميقاتي بانها «حكومة حزب الله» و»غلبة السلاح» في اشارة الى الموقف الذي اعلنه اول من امس الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله واكد فيه رفض كل ما يصدر عن المحكمة الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفضه تسليم المتهمين الاربعة الذين وصفهم ب»المقاومين الشرفاء». والمرحلة السياسية الجديدة ستطغى على مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس ميقاتي التي تمثل، بدءاً من غد الثلثاء، أمام المجلس النيابي لمناقشته ونيل الثقة على أساسه وتتجاوزه الى التداعيات المترتبة على كلام الأمين العام لحزب الله برفضه الاعتراف بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان وعدم التعاون معها في القرار الاتهامي الذي صدر عنها في حق أربعة من «حزب الله» متهمين في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري الذي قوبل بالموقف المتشدد لقوى 14 آذار في مؤتمرها الخامس ليل أمس الذي انعقد تحت عنوان: «المحكمة طريقنا الى العدالة». ووجهت في ختامه نداء تلاه الرئيس السنيورة وجاء فيه ان هناك معادلة ظالمة غير أخلاقية مفادها ان العدالة تهدد السلم الأهلي وانها لن تطبق في لبنان ولو بعد قرون عدة وان التسليم بالإفلات من العقاب يكرس قاعدة استمرار عمليات الاغتيال السياسي. ورفضت قوى 14 آذار أي منطق يعتمد غلبة السلاح «لأنه لم يعد مقبولاً ان يبقى السلاح غير الشرعي وصياً على الدولة ويتحكم بمؤسساتها الوطنية». وطالبت رئيس الحكومة التزامه القرار 1757 (نص على إنشاء المحكمة الدولية) بشكل صريح ومباشر وإعلان التزامه الخطوات التنفيذية لهذا القرار أمام المجلس النيابي صباح غد وإلا فليرحل هو وحكومته غير مأسوف عليها لأن هذه الحكومة هي حكومة انقلاب على اللبنانيين الذين انتصروا للعدالة التي هي ضمانة للبنانيين ولا تشكل تحدياً إلا للمجرمين. وبطبيعة الحال جاء البيان التأسيسي لقوى 14 آذار لهذه المرحلة التي اجتمعت بكامل أعضائها، وفي غياب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي غادر أمس الى دولة الإمارات العربية المتحدة في زيارة رسمية، ليضع النقاط على الحروف وبموقف متشدد هو الأول من نوعه من تأليف الحكومة فيما لم يصدر حتى ليل أمس أي تعليق من الرئيس ميقاتي على كلام السيد نصرالله ولا من الوزراء «الوسطيين» الذين هم خارج الاصطفاف الوزاري لقوى 8 آذار. واعتبرت مصادر وزارية ل «الحياة» ان تريث ميقاتي في تحديد موقفه يعود الى رغبته في إجراء مشاورات مع حلفائه في الأكثرية تمهيداً لبلورة موقف يسبق فيه جلسة الثقة التي ستتحول كما تقول أوساط في المعارضة الى جلسة لمحاكمة الحكومة لانقلابها على القرارات الدولية. خصوصاً ان الفقرة الواردة في البيان الوزاري في شأن المحكمة تفتح الباب أمام اجتهادات لا تفي بالغرض المطلوب فحسب وانما يمكن ان تشكل أول محطة للانقضاض على هذه المحكمة. وبالعودة الى النداء التأسيسي لقوى 14 آذار الذي يراد منه تحديد آلية العمل لمواجهة انقلاب الحكومة على القرارات الدولية وأولها المحكمة الخاصة بلبنان فإنه أكد ان التسليم بالإفلات من العقاب الذي يتحكم بحياتنا السياسية على مدى عقود يكرس قاعدة استمرار عمليات الاغتيال السياسي ويهدد السلم الأهلي وان مطالبتنا بالحقيقة والعدالة في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسائر الشهداء هي من أجل لبنان المستقر وسلمه الدائم. وهي لا تشكل تحدياً إلا للمجرمين. ولفت النداء الى ان العدالة عندما تكون في يد قادرة وموثوق فيها هي وسيلتنا لحماية لبنان والحؤول دون عودته الى ما كان عليه قبل ثورة الأرز عام 2005 في وقت تكسر الشعوب العربية سجونها وتعانق فجر الحرية والكرامة. واعتبرت 14 آذار ان موجات الاغتيال وأعمال القتل والتفجير والإرهاب ما كان لها ان تبلغ هذا المدى الخطير من العنف إلا من خلال بيئة ترعرع فيها استخدام السلاح غير الشرعي. وقالت ان وضع البلاد تحت رحمة البيئات المسلحة التي تقوم بدور الشريك السارق للدولة ومؤسساتها غير الشرعية لم يعد مقبولاً. واتهمت الحكومة بالتنكر لمطلب العدالة الذي التزمت به الحكومات السابقة في بياناتها الوزارية وقالت «ان المتنكرين اليوم هم أنفسهم الذين وقعوا تلك البيانات». وشددت 14 آذار على رحيل الحكومة إذا لم تلتزم القرار 1757 وقالت ان هذه الحكومة التي تتنكر للقرارات الدولية، هي «حكومة انقلاب على اللبنانيين» ورأت في المحكمة الدولية الجهة الصالحة والقادرة على محاسبة المسؤولين عن مسلسل الإجرام والإرهاب الذي استهدف رموز لبنان الوطنية. وأكدت التزامها مواجهة المسار المدمر للعيش المشترك الذي بدأ بالاستيلاء المسلح على العاصمة في أيار (مايو) 2008 ولم يحل اتفاق الدوحة دون استمراره وتفاقمه ورأت انه لهذا السبب ستتابع النضال لكسر الغلبة القائمة على السلاح. وقالت 14 آذار انها ستطلق «حملة سياسية عربية ودولية لإخراج الجمهورية من أسر السلاح والطلب من الحكومات العربية والمجتمع الدولي عدم التعاون مع هذه الحكومة في حال عدم تنفيذها مندرجات القرار 1757». وختمت 14 آذار بقولها: «لا لحكومة حزب الله، نعم للحرية والعدالة والعيش المشترك».