«أشبه بعزومة علاقات عامة» بهذه الكلمات يلخص جامعي يمني دورات أيديولوجية تنظمها جماعة الحوثيين (حركة أنصار الله) الانقلابية لموظفين حكوميين وشباب في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، في وقت حلت الجماعات الإسلامية والجهوية المسلحة محل سلطات الدولة اليمنية المنهارة. يتفق معظم الذين تحدثت إليهم «الحياة» ممن شاركوا في هذه الدورات ،من غير الموالين للجماعة، على وصف محتواها بالضعيف، وثمة من أعتبر القات والوجبات الغنية باللحوم المقدمان للمشاركين أهم ما في هذه الدورات التي تعد جزءاً من برنامج أيديولوجي تنفذه الجماعة في شكل علني، منذ تسعينيات لقرن العشرين. وخلافاً لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم الذي أخضع خلال ثمانينات القرن العشرين، موظفي الدولة في شمال اليمن لعمليات أدلجة بمرجعه النظري (الميثاق الوطني) كانت تعقد نهاية الأسبوع أثناء الدوام الرسمي، ينظم الحوثيون برنامجهم في مباني سكنية ينقل إليها المستهدفون بوسائل نقل معتمة، ليمضوا 3 أيام متواصلة لا يتاح لهم خلالها التواصل مع العالم الخارجي على ما أفاد مشاركون. على غرار «داعش» و «القاعدة» اللذان فرضا على سكان المناطق التي سيطرا عليها عقيدتهما الخاصة، قوّض الحوثيون منذ سيطرتهم على مؤسسات الدولة قواعد التعدد والتعايش، وفرضوا أيديولوجية الصوت الواحد. وباستثناء جزئيات مثل تخزين القات وتدخين السجائر والبردقان التي يبيحها الحوثيون وتحرمها السلفية الجهادية، تتشابه التنظيمات السنية والشيعية المتطرفة في السلوك والأفكار وملابسات النشأة. وعلى غرار الأنظمة الشمولية التي تكيف المجتمع تبعا لأيديولوجيتها، تعمل مليشيا الحوثيين الانقلابية على تعزيز قبضتها على المناطق الواقعة تحت سيطرتها، من خلال طرائق مختلفة منها غسل عقول السكان. ووفق مصادر شاركت في الدورات، تشكل محاضرات مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي الذي قتله الجيش اليمني في 2004، وخطب شقيقه، زعيم الجماعة الحالي عبدالملك الحوثي صلب هذه الدورات أو ما يعرف «المسيرة القرآنية» التي ما انفكت أجهزة دعاية الحوثيين، تدعو الناس إلى اقتفاء نهجها. لكن ما يؤخذ على مسيرة الأخوين الحوثي، أنها لا ترقى إلى التراث الفكري للزيدية التي عرفت بالوسطية، وطالما وصفت بالجسر الواصل بين السنة والشيعة. وتتهم أيديولوجية الحوثيين بالسلالية والعنصرية وتنهض على فكرة الاصطفاء الإلهي، ويستدل القائلون بهذا الرأي ب «الوثيقة الفكرية والثقافية للزيدية» التي أقرتها قيادة الحوثيين مطلع 2012. وصحيح أن ممارسات الحوثيين، ومنها فسادهم وقتلهم نهاية العام الماضي لحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، أدت إلى انحسار قاعدتهم الشعبية في صنعاء ومناطق الجغرافيا الزيدية، إلا أن بقاء هذه المناطق في قبضتهم من شأنه تدجين المجتمع على صورة عقيدتهم الأيديولوجية على ما يرى باحثون. ويقول الباحث الشاب نبيل البكيري ل «الحياة» «حتى لو بقي تأثير الدورات الأيديولوجية المذهبية للحوثيين محصوراً في الدائرة السلالية الضيقة، وفي شكل أقل ربما في الدائرة المذهبية، لكن عدم الحسم العسكري مع هذه الجماعة سيصب في مصلحة الجماعة ويجعل السكان يتكيفون معها». وفيما لم يستبعد مشاركون أن تكون دورات الحوثيين بمثابة جس نبض ومناسبة للتعرف على أشخاص قد يصبحوا موضع استقطاب من الجماعة المتهمة باستخدام المال السياسي والطائفي لشراء الذمم، يرى البكيري أن خطورة هذه الدورات تكمن في أنها تأتي في ظل فراغ سياسي وثقافي تعيشه المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، الذين طالما استخدموا الوظيفة العامة بغرض الحصول على الولاء. ومنذ قرار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، المعترف به دولياً، نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن صيف 2016، توقفت رواتب الموظفين الحكوميين في مناطق الحوثيين المتهمين باستخدام الموارد الواقعة تحت سيطرتهم لغرض التجنيد والقتال. ويوصف القات بالمخدر الاجتماعي، ويعد منشطاً، ويستخدمه الحوثيون بكثرة في الحرب كما في السلم. وأفاد أطفال وطلاب أنهم تركوا مقاعد الدراسة والتحقوا بصفوف الحوثيين والحكومة الشرعية طلباً للقات والطعام وبعضهم حباً في القتال. وكانت تصريحات مسؤولين إيرانيين وتقارير أممية أكدت وجود دور إيراني في الانقلاب العسكري الذي نفذته في 21 أيلول (سبتمبر) 2014 ميليشيا الحوثيين (حركة أنصار الله)، التي يعتقد أنها حصلت على ضوء أخضر من الولاياتالمتحدة التي ساهمت طائراتها المسيرة في ضرب الخصوم المذهبيين للحوثيين. ويقول مصدر جامعي شارك في دورات الحوثيين، طلب عدم الكشف عن هويته، إن واشنطن وحكومات غربية عدة «لا ترى مانعاً في أن تصبح صنعاء قاعدة إيرانية رابعة بعد دمشق وبيروت وبغداد، طالما أن الحوثيين يكافحون داعش والقاعدة ولا يشكلون تهديداً لمصالح الغرب».