رفضت سويسرا - ربما لحسن حظها - الانضمام إلى منطقة اليورو واعتماد عملتها في نظامها الفيديرالي. ومنذ أكثر من سنة، يعبّر السويسريون عن تشاؤمهم مما يجرى من مغامرات، مالية واقتصادية، داخل المنطقة التي تواجه أزمة تعتبر سابقة، جعلت اليورو نجم التقلبات من حيث القيمة. كما تخلو قرارات الزعماء الأوروبيين من القوة لفرض حلول «قيصرية» على أزمة الديون السيادية التي ذوبت صدقيتهم. والمضحك في الأمر، وفق كبار المحللين السويسريين، أن إعادة هيكلة ديون اليونان والبرتغال وإرلندا، التي لا تُطاق، تقابلها إجراءات غير قابلة للتطبيق واقعياً. في الوقت الحاضر، يؤمن المراقبون السويسريون بأن في إمكان منطقة اليورو السيطرة على مشكلتها الاقتصادية قبل فوات الأوان. فالنمو فيها جيد. كما أن دول «بيغ»، أي البرتغال وإرلندا واليونان، تمثل 6 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي لدول اليورو. بيد أن مواصلة المسؤولين الأوروبيين الادعاء المضحك، بأن مشكلات دول «بيغ» ليست العجز عن تسديد الديون، إنما أزمة السيولة المالية، لا تمر مرور الكرام على الكثير من الدول الصناعية، على رأسها سويسرا. وفي حال لم يعترف هؤلاء المسؤولون بطبيعة هذه المشكلات، فإن اقتصاد منطقة اليورو بأكملها، مهدد بالانهيار سوية مع أسواقه المالية. يكفي النظر إلى تداعيات الحقائق المزيفة، التي يروجها عدد لا بأس به من وزراء وحكام المصارف المركزية الأوروبية، عن اقتصادات أساسية في منطقة اليورو، كالإيطالية والإسبانية التي تعاني اليوم، ضعفاً واضحاً في النمو وتآكلاً مخجلاً لروح التنافسية لديها. اضافة إلى ذلك، تشير التحليلات الواردة من المصارف السويسرية إلى أن تفشي عدوى الديون السيادية، إلى دول أوروبية أخرى، ستستمر حتى بعد إعادة هيكلة ديون اليونان التي أضحت (إن لم نقل على وشك أن تُطرد) شبه خارجة من منطقة اليورو. بيد أن تفشي فيروس الديون السيادية سيتوقف لدى تحرك حكومة برلين لبناء جدار عازل حول ديون إيطاليا وإسبانيا معاً. وهذا ما يتمناه السويسريون من أصدقائهم الألمان قبل التفكير في توطيد اتفاقات عدة، اقتصادية ومالية وضريبية، مع دول اليورو المجاورة. ويسود جو من التشاؤم والريبة أي سيناريو تحليلي سويسري، منوط بإيجاد مخرج لأزمة المال في منطقة اليورو. إذ أن استراتيجية الخروج من الديون السيادية الأوروبية ستفضي إلى انفجار وإعادة هيكلة «مهزوزة» لهكذا ديون. فلماذا يجب على شعوب اليونان وإرلندا والبرتغال تقبل خطط تقشف مالية حكومية طوال سنوات (لا يزال عددها ضبابياً)، ناهيك بنمو اقتصادي مضحك لدولهم، بهدف دعم الأنظمة المصرفية الفرنسية والألمانية، مثلاً، من دون أن يقدم أحد لهذه الشعوب أي حافز، مالي أم اقتصادي، مقبول؟ مع ذلك، هناك بصيص أمل، في بحر أوروبي من اليأس القاتم، كما يرى محللون سويسريون، في حال تدخل صندوق النقد الدولي لمؤازرة دول منطقة اليورو في اتخاذ قرارات صعبة لا تنجح أوروبا في اتخاذها وحدها. ويتمثل هذا التعاون الأميركي- الأوروبي في رسم برامج للبرتغال وإرلندا واليونان قادر على إنعاش تنافسية هذه الدول الثلاث، اضافة إلى تقليص الديون وإعطاء هذه الدول ضمانات جدية لعودة اقتصاداتها إلى النمو، بعد انقطاع طويل. وفي نظر سويسرا، على صندوق النقد أن يحول دون أن يتحول الجُبن الأوروبي، في مواجهة الواقع الاقتصادي المرير، إلى انهيار ثلجي عالمي ستكون أزمة المال، التي لا يعلم أحد متى ستنتهي، مجرد «مزحة» مقارنة به! كما أن من الصعب جداً التنبؤ بمدى دوام حياة اليورو في ظل غياب كامل للوحدة الضريبية الأوروبية.