جدّدت دول منطقة اليورو التزامها ضمان الاستقرار المالي المطلق، واستعدادها لاتخاذ إجراءات إضافية من شأنها تحسين قدرة الدول الأعضاء وتحصينها ضد خطر عدوى أزمة الديون السيادية. ويحاول وزراء المال الأوروبيون تفادي تداعيات الأزمة، ووافقوا ليل أول من أمس في بروكسيل، على «تعزيز نشاط الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي وتوسيعه، بما يساعد على تأمين القروض وخفض أسعار الفائدة، واتخاذ إجراءات متعددة الطرف». لكن أسواق المال لم تبدِ رضاها حيال البيانات التي تتطلب وقتاً كي تتحول إلى تفاصيل وأرقام دقيقة. وعقبت وزيرة المال الاسبانية هيلينا سالغادو صباح أمس، على ارتفاع أسعار السندات الإسبانية من 5.66 إلى 6.003، معتبرة أن الأسواق تفتقد المنطق «إذ لا مبرر للضغط على كل من إسبانيا وإيطاليا، لأنهما تملكان اقتصادات قوية». وأوضحت أن إسبانيا «تملك اقتصاداً متنوعاً تجاوز كل الصعوبات التي اعترضته ولا وجود لأي مبرر لضغط الأسواق». ويخشى المسؤولون من انتقال أزمة الديون السيادية إلى الاقتصادات الأوروبية الكبرى، تحديداً اسبانيا وايطاليا. وأكد رئيس مجلس منطقة اليورو رئيس وزراء لوكسمبورغ جان كلود يونكر، أن القطاع الخاص المصرفي «سيشارك في ضمان الاستقرار المالي وسيقدم اقتراحات في وقت قريب»، وفق توصيات القمة الأوروبية الأخيرة بوجوب مساهمة المصارف الخاصة، «على أسس طوعية» في معالجة أزمة الديون السيادية في اليونان. وبحث الوزراء الخطوط الرئيسة لوضع خطة جديدة تمتد سنوات لمساعدة اليونان على مواجهة مشاكل الديون وتصحيح وضع الموازنة، من خلال «التزامات قوية تقطعها أثنيا في مجال زيادة محاصيل الضريبة وتوسيع قوائم المؤسسات العامة التي ستُخصص». ورحب المجلس بالخطوات التي اتخذتها اليونان في مجال «تعزيز آليات المراقبة المالية وتعيين مجلس جديد لإدارة وكالة تخصيص المؤسسات العامة، حيث تشمل مراقبيْن يمثلان الدول الأعضاء في منطقة اليورو والمفوضية الأوروبية، وتزويد اليونان بمزيد من الخبرات والمساعدات الفنية، من أجل تعزيز مراقبة تنفيذ برامج التصحيح الضريبي والتخصيص». ويُعد حضور المراقبين الأوروبيين إدارة برامج تصحيح الوضع الضريبي في اليونان وتنفيذها، إحدى الشروط الرئيسة التي وضعتها دول منطقة اليورو للبحث في خطة مالية جديدة تساعد اليونان على إدارة أزمة الديون، على أمل أن تعود إلى أسواق المال عام 2014. وحصلت اليونان في الأيام الماضية على القسط الخامس من القروض، وقيمته 8.5 بليون يورو قدمها الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي، و3.5 بليون وفرها صندوق النقد الدولي. وأكد مجلس وزراء مال دول اليورو، استمرار المحادثات لتنظيم مساهمة القطاع الخاص في حل مشكلة تراكم ديون اليونان. وشدد في المقابل على أهمية التزام اليونان تنفيذ البرامج المتفق عليها وتحقيق النتائج المحددة في المواعيد الثابتة. وشدّد البنك المركزي على شرط تفادي إخفاق اليونان في احترام مواعيد تسديد ديونها. وأعلن المجلس تشكيل مجموعة عمل تبحث في صيغ تمويل الإستراتيجية المالية الجديدة والخطوات اللازمة لخفض خدمات ديون اليونان، وتمكينها من القدرة على التحكم فيها في المستقبل. وقال نائب رئيس الوزراء وزير المال البلجيكي، أن المجلس يعمل على «تعزيز الاستقرار المالي لمنطقة اليورو وستُتخذ إجراءات مهمة حول مساهمة القطاع الخاص». ووقع وزراء المال تعديل معاهدة لشبونة التي تمكن من إنشاء آلية مالية دائمة للتدخل المبكر لتحصين منطقة اليورو من خطر تفشي أزمة الديون السيادية. وأعلن يونكر أن «الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي» سيعمل في شكل دائم انطلاقاً من عام 2013، بالتعاون الوثيق مع صندوق النقد الدولي، وسيحل الصندوق الدائم محل الآلية الموقتة». وتتجاوز مشكلة الديون السيادية حدود اليونان، وتخشى الأوساط الأوروبية من عدوى انتقال الأزمة إلى منطقة اليورو. وسجلت أسواق المال الأوروبية تراجعاً أول من أمس، على خلفية أزمة الديون السيادية والشكوك في احتمال أن تطال الأزمة إيطاليا التي تمثل ضعف اقتصادات إرلندا واليونان والبرتغال مجتمعة، وتبلغ ديونها 120 في المئة من الناتج المحلي الخام، ما يثير التساؤل حول قدرتها على تنفيذ إجراءات التقشف. ونتيجة هذه الشكوك ارتفعت أسعار الفائدة على السندات الايطالية إلى أكثر من 5 في المئة. وأشار مراقبون إلى وجود مجموعة عناصر تتضافر في الضغط على أسواق المال، حيث تطال الأسئلة النمو الاقتصادي في العالم وأخطار تراجع أداء الاقتصاد الصيني، وأزمة ارتفاع الديون والعجز العام في الولاياتالمتحدة وضعف منطقة اليورو، والخوف على وضع المصارف الأوروبية. وبلغ تراجع الأسهم الأوروبية 4 في المئة في لشبونة و3 في المئة في مدريد وأكثر من 2 في كل من باريس وفرانكفورت و1.3 في لندن. كما تراجع سعر صرف اليورو إلى 1.42. وهوت في شكل خاص أسهم المصارف الأوروبية وبلغ التراجع 8 في المئة. وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية بأن المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، اعتبرت «الجهد الذي تبذله اليونان لخفض عجز موازنتها لا يزال «غير كافٍ». ورأت أن «عليها بذل مزيد من الجهود لخفض العجز وإعادة التوازن الى موازنتها بمعدل خمس نقاط من الناتج المحلي». لكن لم تنفِ أن «الأداء معقول». وأكدت ضرورة «أن يضع شركاؤنا الحل للمشاكل الراهنة». وكشف وزير المال الهولندي يان كيس دو ياغر، في تصريح نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، عن أن منطقة اليورو «لا تستبعد تخلف اليونان جزئياً عن التسديد، في اطار خطة المساعدة الثانية».