بعث لي أحد القراء رسالة يقول فيها: «قد كذبت على الشيخ عبدالله المنيع، وقولته ما لم يقل»، وهو يقصد تلك العبارة التي وردت في مقال للشيخ المنيع في أنه ليس مع «دعاة تكبيل المرأة وحبسها في بيتها فيقال لها: حرام عليك أن تسوقي سيارتك، وحرام عليك أن تركبي مع سائق سيارتكم، وحرام عليك أن يكون نوع حجابك كذا وكذا إلى آخر القيود الوسواسية»، انتهت العبارة. وأحب أن أقول أولاً للقارئ الكريم إنني أخذت هذه العبارة من زاوية «نافذة على المجتمع» كتبها الشيخ باسمه في صحيفة الرياض الثلثاء 14 جمادى الآخرة 1432ه - 17 مايو 2011 - العدد 15667. وأنا لا ألوم القارئ الذي كذبني لأن صحيفة إلكترونية سارعت بنفي كلام الشيخ المنيع ونشرت على لسانه «أنه لم يقل هذا الكلام». كلنا في الحقيقة نصاب بهذا الارتباك في التصريحات، لكن آخر ما أظنه أن المشايخ يكذبون أو يتراجعون عن شهادة حق ويحرمون حلالاً، لأنهم هم رموز في مجتمعهم، ويتحدثون باسم الإسلام الذي يحض على الأخلاق، ومن شيم خلق المسلم أنه لا يكذب ولا يكتم شهادة حق. في السنوات التي مضت كنا شهوداً على تراجعات بعض الشيوخ الذين أعلنوا آراء فقهية حول مسائل خلافية مختلف عليها، مثل غطاء الوجه وقيادة المرأة السيارة، ومشاركتها الحياة العامة والاختلاط، واليوم كما يخوض الزميل حمزة سالم معركته وحيداً مع عدم ربوية النقود إلخ، هؤلاء اضطروا تحت ضغوط من أصحاب الرأي الواحد إلى أن يتراجعوا عما قالوا، ولهم في عودتهم وتراجعهم تبريرات كثيرة لم تقنع البعض، لكنها دخلت باب عدم الخروج عن الجماعة التي هي جماعتهم هم، وليس جماعة المسلمين، ظناً منهم أن الاختلاف فرقة، لا كما قال الشافعي رحمه الله: «قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب». في المقابل هناك شيوخ وطلبة علم دين، صمدوا ودفعوا ثمناً غالياً جراء آرائهم أمثال الشيخ أحمد الغامدي وعادل الكلباني، بينما هناك شيوخ آخرون يتقدمون ثم يتراجعون ثم يتقدمون وهم لا يبررون في كل مرة، فلماذا فعلوا ذلك؟ ففي كل مرة يصرون على أن قولهم حق لا رجعة فيه، وهم يجعلونك تتعجب من قدرتهم على التنقل في المربعات المتناقضة، فهم في فترة مع كشف الوجه، ثم يضايقهم أصحاب الرأي الواحد فيعودون عن قولهم، ثم يشتد عودهم، ويغتني، فيعودوا لما قالوه من قبل عن كشف الوجه، وكذلك فعل آخرهم حين نشر موقفاً مؤصلاً عن جواز الاختلاط منذ أشهر، حين كانت الريح تهب لصالح هذا الفكر، بل وقال إن مصطلح الاختلاط دخيل على الإسلام، لأن أصل الحياة العامة هو الاختلاط، وها هو يعود عن موقفه وكأن الكلام الذي قاله من قبل مجرد مزاح. هؤلاء المتقلبون كيف يمكن أن تصدقهم وأنت لا تدري ربما سينقلبون كعادتهم عما قالوه، ولا تدري هل تثق بموقفه أم تنتظر مستجدات أخرى؟ يفترض أن شيوخ الدين هم أعرف الناس بعِظم مسؤولية الأمانة وشهادة الحق، وهم القارئون لقوله تعالى: «ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون»، لهذا فإنني أربأ بشيوخنا الذين نثق بهم وبعلمهم أن يبدلوا أقوالهم حسب معطيات سياسية واجتماعية، فيحرمون حلالاً، ويتحملون وزر التضييق على المسلمين والمسلمات. اليوم نحن أمام فضاء مفتوح يسمع المرء فيه فتاوى من كل أنحاء العالم، ويشاهد بلاداً مسلمة لا عيب في إسلامها، لكنها تعيش الرخص الدينية التي توسع عليها الحياة، وتزيد من فرص نمائها وتطورها، فهل بعض شيوخنا هم ضد النماء والحرية، وقد قال أحد الفقهاء: «إنما الفقة الرخصة بالثقة، أما التشدد فيحسنه كل أحد». [email protected]