أثار فوز الشيخ الداعية أحمد نافع المورعي برئاسة نادي مكة الأدبي سجالاً تواصل لأيام، كما حظي باهتمام كبير من كثير من المثقفين والمثقفات الذين تحدثوا عبر وسائل الإعلام، أو من خلال مواقع النت عن تخوفاتهم من أن تشكّل الانتخابات مجالاً رحباً لهيمنة التيار الصحوي المحافظ على الأندية الأدبية، خصوصاً أن الشيخ المورعي خرج من خلال إذاعة القرآن الكريم، ليتحدث عن النادي الأدبي، وكأنما هو منبر دعوي أكثر من كونه نادياً أدبياً ثقافياً يختص بالإبداع. إذاً ماذا تخبئ صناديق الاقتراع للأندية الأدبية؟ وهل هناك خشية حقيقية من سيطرة تيار أو فريق ما على هذه الأندية؟ سؤال طرحته «الحياة» على بعض الأدباء والمثقفين، الذين حمّلوا لائحة الأندية وكذلك شروط الانضمام إلى الجمعية العمومية مسؤولية ما يحدث. وحمّل القاص والصحافي محمد المنقري لائحة الأندية الأدبية المسؤولية قائلاً: «مما يؤسف له أن اللائحة التي شرّعتها وزارة الثقافة والإعلام فيها خلل واضح، وعلى رغم الجدل الكبير حولها من المثقفين في الفضاء الإلكتروني عبر الإنترنت أو عبر الصحف اليومية، إلا أن الوزارة لم تعبأ بأحد، وأصرّت على تدشين النسخة الأولى من الانتخابات، وسط تشريعات وقوانين هشّة وغير معيارية، فحدثت المفاجأة في نادي مكة الأدبي. وتلك حال الثقافة لدينا فهي تعيش بلا خطط ولا استراتيجيات حقيقية، بل تعتمد على الفعل ورد الفعل وفق تقاليد الإدارة الكلاسيكية المتآكلة، والمثقفون راضون بخشاش النتائج». اللائحة المعلنة تقتضي مقاطعة الأندية، وعدم المساهمة في مسرحية مضحكة، لكن المثقفين لم يفعلوا ذلك، وسارعوا إلى مناطحة فئة سمحت لها اللائحة بالدخول، فاقتحموا الميدان ولهم تجربة في عمليات التنظيم والعمل الجمعي، وأدبياتهم القديمة في مجالات العمل تدل على تهميش أهوائهم الصغيرة لمصلحة النتيجة الكبرى، ويتقنون إلى حد كبير أدبيات العمل المدني ولهم تجارب في هذا المجال تدل على نجاحهم، وقد استثمروا خبرتهم أمام «صناديق الاقتراع الإلكترونية» في نادي مكة ففازوا وغضب المثقفون، وكأن أمراً مفاجئاً هبط من السماء". وهل كانت نتيجة نادي مكة الأدبي الأخيرة صادمة بالنسبة له؟ يقول المنقري: «لم تكن صدمة فاللائحة رحّبت بهم فأكلوا الكتف الثقافية بكل يُسْر، وسيعملون بتنظيم وديمومة ودأب وتخطيط واستهداف، وقد يحققون النجاح، وإن اختلفنا مع هاجسهم الثقافي وموضع الثقافة في أجندتهم". ويرى الناقد حسين بافقيه أنه لا بد من قبول النتائج مهما كانت، ويقول: «الثَّقافة ليستْ حكراً على الأدباء، وما كنتُ أتمنّى أن يحتشد جمهرة من الأدباء ليتَّخذوا من رئيس نادي مكة الأدبي الجديد هدفًا لهم، والذي أظنّه أنّ (هجومهم) ليس هو المقصود به، وإنّما هو الإحساس باغتراب المثقَّف في مجتمعنا، وما أصعب أن يُضَيَّق الخناق على الأديب في ميدانه الطّبيعيّ (الأندية الأدبيّة). هو لا يستطيع أن ينافس (المثقَّف الدِّينيّ) الذي يحبّه النّاس لأسباب غير ثقافيّة، ولا يستطيع أن ينافس (أستاذ الجامعة) فهذا مسانَد بكتيبة منْ تلاميذه، وشاهد ذلك أنّ فاروق بنجر - وهو شاعر كبير - لم يجد له مقعداً في المجلس المنتخَب، فهو لا يملك إلا موهبته الأدبيّة، ولم يحتشد له لا الجامع ولا الجامعة. الانتخابات ممارسة ديموقراطيّة نباركها ونستمسك بها حتّى لو لم تعجبنا نتائجها، والمجلس المنتخَب أفضل من المجلس المعيَّن، لأنّ الأوَّل يعبِّر عن اختيار النّاخبين، والآخَر يفرضه المسؤول». وأين تكمن المشكلة؟ يجيب الأستاذ حسين بافقيه: المشكلة ليست في الأشخاص. المشكلة في اللائحة. اللائحة الفضفاضة الواسعة هي التي أدخلت أستاذ العقيدة وأستاذ الفقه وأستاذ الآثار في المجلس وهم ليسوا أدباءً، حتّى أستاذ البلاغة أو أستاذ النّقد في الجامعة، كلاهما إذا لم يكن ذا أثر في الحَراك الثّقافيّ، فإنّه لا يختلف عن مدرِّس البلاغة والأدب في المدرسة الثّانويّة. الفيصل هو «الأدبيّة» لا التّخصّص. ، وأظنّ أنّ رئيس نادي مكة الأدبي المنتخب أحسّ بمسألة «الأدبيّة» هذه وأحبّ أن يَصِل نفسه بها فجعل «الخطابة» - وهو خطيب مفوَّه - ذريعة له إلى الأدب، ولو جاز ذلك لساغ أن يُصْبح أئمّة المساجد في مدننا وقُرانا أعضاء في المجامع الفقهيّة". وتقترب الشاعرة حليمة مظفر من طرح بافقيه قائلة: التخوف من هيمنة التيار الصحوي على الأندية الأدبية أمر طبيعي لأنه أيضاً موجود لدى التيار الصحوي أيضاً ذات التخوف من التيار المنفتح فكرياً أو ما يسمونه الليبرالي. ولكن حتى لو نجح هذا التيار في تجربة الانتخابات الأولى وهو أمر متوقع أن يحصل في معظم الأندية الأدبية، فلن يطول بقاؤه إلا إذا أتثبت عدم تحيزه للتيار ذاته ورضخ لطلبات الجمعية العمومية. فنجاح هذا التيار في التجربة الانتخابية لا يعني بقاءه إلا إذا خدم أهداف أعضاء الجمعية العمومية وإلا ستتم محاسبته ويتم استبداله بآخر في تجربة انتخابية أخرى. وبكل صدق هذه التجربة هي محل اختبار مهم جداً لتجربة الديموقراطية الثقافية. وما دام المثقف ينادي بهذه التجربة الحرة في الانتخابات، فعليه أن يرضى بالنتائج". أما القاص فراس عالم وهو أحد المرشحين للانتخابات وكان من الأسماء التي أعلنت كأسماء احتياطية في حال اعتذار أحد أعضاء المجلس، فيعلق قائلاً: نحن نظلم الانتخابات عندما نعتقد أنها حل سحري لمشكلاتنا السابقة لمجرد أنها تمثل رأي المجتمع. فكما يتعلم الطفل الصغير المشي ويمارس السقوط والتعثر وربما أصيب ببعض الكدمات حتى تستقيم خطواته. كذلك الممارسة الانتخابية تحتاج لوقت حتى تنضج، لذلك من الضروري أن نفرق بين الممارسة الانتخابية كضرورة حتمية في مؤسسة ثقافية وبين نتائجها في بداية التجربة التي أراها إيجابية في العموم حتى لو بدأت بعثرة، فهي دليل حراك قابل للتغيير والتجديد لاحقاً". وحذر الشاعر سعد الثقفي مما حدث في نادي مكةالمكرمة، «وما قد يحدث في أندية أخرى»، مشيراً إلى أن تمسك رئيس نادي مكة بما أسماه «خصوصية مكة سيفرغ النادي من محتواه الثقافي». وقال: كان هناك كثير من الأخطاء تتحمل الإدارة السابقة ووكالة الوزارة للشؤون الثقافية نتيجتها مناصفة، فالإدارة السابقة حرصت كل الحرص على عدم الإعلام عن موعد الجمعية العمومية، واكتفت بإعلان باهت في موقع النادي. والوكالة بدورها لم تضع شروطاً قوية تمنع مثل هؤلاء وغيرهم ممن لا تتحقق فيهم الشروط من دخول النادي. وتمّ استغلال بعض المنتسبين في النادي لمكانته في الوصول إلى مجلس رئاسة النادي. وإلا كيف نفسر حصولهم على كل هذه الأصوات. وصاحبت الانتخاب أخطاءٌ أخرى، ناهيك عن مشاركة أحد المرشحين للفرز وقراءة ورقة الانتخابات قبل إعلانها".