يعد قيام الجمعيات العمومية، وتشكيلها من قبل الأندية الأدبية، تطورًا كبيرًا في مسيرتها نحو إشاعة الثقافة، وتقبل الآخر، والتقدم الحضاري، وهو ما يعتبره كثير من الأدباء والمثقفين في المملكة، وبخاصة أولئك المطالبون منذ زمن بتغييرات في مجالس إدارات هذه الأندية واعتماد الانتخابات بديلًا للتعيين في الأحقية بعضوية مجالس الإدارات أمرًا إيجابيًّا، وخطوة نحو الأمام في سبيل الممارسة الديمقراطية الفاعلة في المجتمع، والتي تحقق رغبات الجميع، ولا تختار إلاّ من هو متفق عليه ليكون صالحًا لشغل هذا المكان أو ذاك. وتراهن وزارة الثقافة والإعلام على نجاح تجربة انتخابات الأندية الأدبية خاصة بعد خوضها لتنفيذ عدد من انتخابات مجالس إدارة خمس جمعيات هي: الجمعية السعودية للفنون التشكيلية، جمعية المسرحيين السعوديين، والجمعية السعودية للتصوير الضوئي، والجمعية السعودية للخط العربي، والجمعية السعودية للكاريكاتير والرسوم المتحركة. وغدا الأمر وشيكًا لقيام الانتخابات وذلك بعد أن أرسلت وزارة الثقافة والإعلام خطابًا عاجلًا لمجالس إدارات الأندية الأدبية مطالبة فيه بالإسراع في إجراء الانتخابات قبيل انتهاء مدة المجلس، والبدء في تلقي طلبات عضوية الجمعية العمومية وفق استمارة تعد من قبل إدارة النادي مع أهمية مراعاة شروط العضوية الواردة في اللائحة الأساسية للأندية الأدبية كافة، كما أنها لم تهمل الجانب المالي لقيام هذه الجمعيات ولتحمل التكاليف كافة فقد خصصت الوزارة بحسب نص الخطاب 100 ألف ريال لكل نادٍ لتغطية مصروفات قيام الجمعيات العمومية. وتتولى وزارة الثقافة والإعلام ممثلة في وكالة الوزارة للشؤون الثقافية - بحسب لائحة الانتخابات للأندية الأدبية - الإشراف على انتخابات مجلس إدارة النادي، وتشكل لجنة للإشراف على انتخابات مجلس الإدارة تسمى (لجنة الإشراف على الانتخابات) برئاسة وكيل الوزارة للشؤون الثقافية وعضوية كل من: مدير عام الإدارة العامة للأندية الأدبية، ومندوب من إمارة المنطقة يرشح من أمير المنطقة، ومندوب عن الوسط الثقافي الأدبي يختاره وزير الثقافة والإعلام، ومستشار قانوني. وتشكل لجنة الإشراف على الانتخابات لجنة فرعية تحت إشرافها تتولى إجراءات عملية الاقتراع والفرز والعد وإعداد المحاضر اللازمة لنتائج الانتخابات، تسمى (لجنة الانتخاب والفرز)، ولا يجوز لأي من أعضاء الجمعية العمومية أن يكون عضوًا في لجنة الإشراف على الانتخابات أو لجنة الانتخاب والفرز، وتجرى الانتخابات خلال اجتماع الجمعية العمومية، ويكون الانتخاب بالاقتراع. وعلى الأندية الأدبية الآن الإسراع في حصر المثقفين والمثقفات في محيط كل نادٍ أدبي بناء على طلب الوزارة السابق، وعدم تأخرها في ذلك لتنفيذ ما ورد في تعميم الوزارة الذي احتوى توجيهها الجديد. وبحسب ما ورد في اللائحة العامة للأندية الأدبية فإن قيام الجمعيات العمومية للأندية الأدبية يتطلب تشكيل ما لا يقل عن (400) أربعمائة مثقف ومثقفة لكل نادٍ أدبي وتوزيع العضوية عليهم بأنواعها الثلاث حتى يحق لمن يحمل العضوية العاملة والمنتسبة باختيار مجالس إدارات الأندية وفق الضوابط التي نصت عليها لائحة الانتخابات للجمعيات العمومية. وكانت اللائحة الأساسية الأندية الأدبية التي صدرت عن وزارة الثقافة والإعلام قبل حوالى خمسة أشهر قد حددت ضوابط العضوية إلى الأندية الأدبية ومنها المشاركة في الجمعيات العمومية وذلك وفق معايير محددة وواضحة تضمن لها الاستمرار والعطاء والتأسيس لثقافة أنتخابية عادلة ومساوية لجميع فئات الأدباء والمثقفين.. كل هذه الخطوات التي تسارعت وتيرتها قوبلت بالرضا والترقب من قبل الأدباء والمثقفين والمفكرين، كما وجدت الإشادة والتقدير، مقدمة بعض المقترحات من أجل نجاح هذه التجربة الوليدة.. فيما أبدى عدد منهم تخوّفه من التجربة مشيرين إلى احتمالات الفشل بأكثر من النجاح.. هفوات البداية فبداية يرى الدكتور محمد بن مريسي الحارثي عضو مجلس إدارة نادي مكة الأدبي أن أي تأصيل هيكلي وإداري لأي عمل بما فيه الثقافي فإنه بلا شك يشكل خطوة إيجابية وسليمة في الطريق الصحيح، مضيفًا: إن العمل في بداياته وخطواته الأولى وانطلاقاته المبكرة حتمًا سيصيبه بعض النقص والتقصير والهفوة والزلة، ولكنها أخطاء البدايات والتي تحدث في عدم وجود الرؤية الواضحة، ولكن مع تراكم العمل واتضاح خط سيره المستقبلي ومع مرور الوقت والزمن لا شك أنه سيتلافى كثيرًا من أخطاء البدايات الأولى، وسيكون قادرًا على النجاح في المستقبل بما اكتسبه من خبرات وتجارب. وأكد الحارثي أن تجربة الانتخابات المقرر تنفيذها بعد تشكيل الجمعيات العمومية للأندية الأدبية مستقبلًا هي خطوة في الطريق الصحيح للنهوض بالأندية الأدبية، وسيكون لها أثرها الواضح إذا سارت ضمن خطواتها المعدة سلفًا، بل إنها ستكون أوفر حظًا من التعيينات. كما بين أن نادي مكة الأدبي قد اتخذ عددًا من الإجراءات في هذا الجانب لتشكيل الجمعيات العمومية في النادي، وعقد الاجتماعات لتنفيذ ما شرعته الوزارة، ونحن جاهزون في النادي الآن لتشكيل الجمعيات العمومية، وإجراء الانتخابات كذلك. خوف من القوائم الذهبية ويعتبر الدكتور صالح زيّاد الأكاديمي بجامعة الملك سعود أن الانتخابات بحد ذاتها أسلوب متقدم وحضاري وعادل لإدارة العمل العام وإتاحة الفرصة للإسهام فيه، وكانت أمنيةً للمثقفين في المملكة، بأكثر من معنى. فبعض الذين لم تحالفهم الفرصة في التعيين الذي اختطته الوزارة لإحداث تغيير في مجالس الإدارة العتيقة، يرون في الانتخابات فرصة تساوي الحظوظ وعدالتها كيفما كانت، وبعض الذين عينوا يرون فيها شرعية تُكْسِب من تتيح له الفوز مبررًا من العموم الثقافي لا يتيحه التعيين. وهذا وذاك يضيفان إلى معنى الانتخابات ما يؤكد قيمتها الاشتراكية وسلوكها الديمقراطي الحضاري الذي يعدِّد الكفاءات وينوِّعها ويغني ثراءها، وينزاح بالفعل العام عن صنميَّة الأسماء وتكريس الذوات، وتسلطها. ويضيف زيّاد: إن الخشية الحقيقية من قيام هذه التجربة هي ألا تؤتي الانتخابات أُكُلها وأن تفضي إلى عكس ما نتمناها من أجله، فيهيمن الصوت الواحد، وتفوز القبيلة أو الوجهة الحزبية والأيديولوجية ولا تفوز الكفاءات الفردية المؤهلة لحقل يحتاج إلى الفرد لا إلى التكتل من ورائه. وأحسب أن هذه الخشية منطقية ومبررة في سياق مجتمعنا الذي لم تنضج فيه بعد أفكار من هذا القبيل، ولن يكون مفاجئًا بروز قوائم ذهبية مزكَّاة قبليًّا أو دينيًّا أو سياسيًّا، ولكن أسماء هذه القوائم ستفتقد بكل تأكيد فرديتها التي لا معنى للفعل الأدبي الذي قامت من أجله الأندية الأدبية في غيابها. فالأديب شاعرًا أو روائيًّا أو ناقدًا أو باحثًا... إلخ أديب بفرديته لا بجماعته، ولن يخلد اسمه ولن يترسّخ وجوده إلا بهذه الفردية وبمقتضيات مسؤوليتها التي تتبادل معها الوجود والفاعلية. مختتمًا بقوله: بالرغم من كل ذلك، إلاّ أنه ينبغي أن تخوض الأندية تجربة الانتخابات، وستحظى بعض الأندية بأسماء قادرة على الفعل الأدبي والثقافي، وجديرة حقًا بالاضطلاع به، وستكون أنموذجًا للامتياز والتفاني وسعة الأفق وجودة التخطيط ونجاعة الأهداف. أما الأندية التي لن تلبي الانتخابات حاجتها إلى الكوادر الممتازة، فستكون عبئًا على من انتخبها، وفي ذلك بداية مشوار التعلم من درس الانتخابات الذي يحتاج وعيه إلى سنوات قد تطول قبل أن نصل إلى قناعات عامة بفرديتنا المسؤولة التي هي محك استمتاعنا بالحياة وهي محك عذابنا بها في الوقت نفسه، وهي الأمانة التي استوثقنا الله تعالى إياها وسيحاسبنا عليها. وعي حضاري وأوضح الأستاذ أحمد الحربي رئيس مجلس إدارة نادي جازان الأدبي أن خطوة تشكيل الجمعيات العمومية تعد خطوة مباركة وفاعلة أقدمت عليها وزارة الثقافة والإعلام بعد أن أقرت جميع بنود لائحة الأندية الأدبية وهي اللائحة المالية، والإدارية، ولائحة الانتخابات مؤخرًا، وأضاف أن تشكيل هذه الجمعيات العمومية للأندية الأدبية، وقيام الانتخابات لهو مطلب حضاري يطمح إليه جميع المثقفين والأدباء في المملكة بشكل عام، فنبارك للوزارة هذه الخطوة والتي ستتلوها خطوات أخرى ستسهم في تفعيل هذا الجانب، مبينًا أن اللائحة وتطبيقها جاء في الوقت المناسب، والزمن المناسب بعد تعثرها، وتأخرها كثيرًا. وأضاف: إن الانتخابات المزمع تنفيذها في الأندية الأدبية بعد تشكيل الجمعيات العمومية لن تكون تجربة جديدة على عقول وثقافة المنتمين للوسط الثقافي أو الأدبي في المملكة فهي تعتبر من البديهيات من خلال ما تشربوه من قراءتهم وثقافتهم المتنوعة واحتكاكهم بزملائهم من المثقفين خارج المملكة، وفي كل بقاع العالم، فلا توجد معضلة أو مشكلة في هذا الجانب، كما أن المجتمع السعودي قد سبق وأن جرب الانتخابات البلدية وأعطى ولو جزءًا بسيطًا من الجرعة الانتخابية مع التأكيد على أن هذه التجربة لم تنجح بالكامل وإنما نجحت في جزئية معينة، وهو ما يمكن أن تتلافاه انتخابات الأندية الأدبية وتقصد النجاح في كل خطواتها. وأكد الحربي أن نادي جازان الأدبي كغيره من الأندية سيبدأ في تنفيذ ما ورد في لائحة الأندية الأدبية وبخاصة ما يتعلق بتشكيل الجمعية العمومية للنادي، وتنفيذ الانتخابات، قائلًا: سنبدأ في إنشاء الجمعية العمومية التي يحق لها أن ترشح أعضاء المجالس وأن تنتخب، وسيتم العمل في النادي على ضوء الخطاب الذي وردنا من وزارة الثقافة والإعلام حول ما يتعلق بإنشاء الجمعيات العمومية، واللائحة تبين آلية ترشيح العضو العامل والعضو المنتسب للنادي، كما سيتم خلال الأيام المقبلة تصميم الاستمارة (استمارة الترشيح) وستكون متوفرة على الموقع ومن ثم ستُنشر في الصحف في موعد لاحق، وسنوجه الدعوة لجميع المثقفين في المنطقة حتى نتمكن من فتح ملف لكل عضو في الجمعية العمومية، وعلى ضوء ذلك يستلم بطاقته بعد سداد الرسوم، ومن ثم يكون له الحق للترشح لمجلس إدارة النادي، ويحضر اجتماع الجمعية العمومية. تنبؤ بالفشل فيما أبدى الكاتب أحمد التيهاني عدم تفاؤله بالوسط الثقافي لتشكيل الجمعيات العمومية وأن تشكيلها لن يؤدي إلى ترشيح الأحق، مبينًا أن المجتمعات الثقافية التي صمتت عن الخلل وسوء الأداء الثقافي والترهل الذي أصاب الأندية الأدبية على المستوى الطباعي، والمنبري، هي غير مؤهلة لاختيار إدارتها الثقافية من خلال تشكيل هذه الجمعيات، ولا من خلال قيام الانتخابات. الحكم المبكر وعلى خلاف هذه الرؤية يرى القاص عبدالسلام الحميد رئيس مجلس إدارة نادي حائل الأدبي أن قيام هذه الجمعيات العمومية يعد كافيًا حتى الآن في هذه الفترة الحالية كما أنه يؤكد أهمية مراجعتها وتعديلها في حال وجود ضرورة لتعديلها، مبينًا أن اللائحة قد تركت مساحة من الحرية لمجالس الإدارة كي تقرر ما يناسب ظروف كل منطقة ومثقفي تلك المنطقة. وعن نظرته للانتخابات التي ستقوم بها هذه الأندية الأدبية يقول: إن الوقت مبكر كي نحكم على التجربة أو نقيمها فهي قد تنجح بالكامل في كل الأندية الأدبية وهذا ما يتمناه الجميع، وقد تفشل جزئيًا في بعض المناطق ولكن هذا لا يعني التخلي عن هذه الممارسة الديمقراطية الرائعة، فإخفاق البعض لا يعني إخفاقًا للكل وفي حال تفعيل اللائحة فلا خوف أبدًا كون الجمعية العمومية هي التي تراقب أداء المجلس ومن ثم تقرر بقاءه من عدمه لذلك أظن وأتمنى أن تكون تجربة الانتخابات في مجالس الأندية الأدبية مثالًا يحتذى في بقية الأماكن التي توجد فيها انتخابات وكما قلت سابقًا ما زال الوقت مبكرًا لتقييم التجربة. قيادات ثقافية وكان مدير الإدارة العامة للأندية الأدبية بوزارة الثقافة والإعلام عبدالله بن أحمد الأفندي قد ذكر في وقت سابق أن قيام الجمعيات العمومية لجميع أندية المملكة العربية السعودية سيكون مصدر إثراء حقيقيًا ومعرفيًا في الوسط الثقافي من خلال الجمعيات العمومية التي ستختار مجالس إدارات الأندية الأدبية لتقدم لنا قيادات أدبية وثقافية للعمل في مجالس إدارات الأندية الأدبية والذين بدورهم سيثرون محيط أنديتهم بعمل ثقافي وأدبي يعبر عما وصلنا إليه من إبداع معرفي. مشيرًا إلى أنه لا يمكن إغفال وجهة النظر القائلة بأن الانتخابات لمجالس إدارات الأندية الأدبية ليس شرطًا أن تأتي أو أن تقدم الأفضل لقيادة العمل الثقافي والأدبي للأندية الأدبية وأن التعيين الذي قامت به الوزارة في الفترة السابقة قد قدم رجالات قادوا العمل الثقافي والأدبي في الأندية الأدبية بكل جد واجتهاد متمثلين الأمانة التي تحملوها وعملوا بحس ثقافي وأدبي آخذين في الاعتبار الأمانة والمسؤولية تجاه مناطقهم وبالتالي تجاه وطنهم ومجتمعهم، والحق يقال أن من قادوا العمل الثقافي والأدبي قد أدوا دورهم بكل اقتدار. وأضاف أن التغيير سنة الحياة وسيعمل على تأسيس ثقافة انتخابية في أوساط المثقفين تؤرخ لمرحلة جديدة لتطور البناء الثقافي والمعرفي في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود يحفظه الله والتي يتابع مراحلها معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة الذي دفع باللائحة الأساسية للأندية الأدبية قدمًا وبالتالي قيام الجمعيات العمومية لجميع الأندية الأدبية التي ستتولى قيادة العمل الثقافي في جميع مناطق المملكة المختلفة مراعية لدورها الوطني ومسؤوليتها في المبادرة الجادة والمخلصة لخدمة الدين والقيادة والوطن وهذا هو المأمول من الجميع.