في وقت لا يزال الغموض حول مصدر تفشي بكتيريا «إي كولاي» القاتلة يعوّق جهود المختبرات الطبية الألمانية والأطباء المتخصصين لوقف انتشار العدوى في شمال البلاد، وإيجاد العلاج الضروري لنحو ألفي مصاب بالبكتيريا الشرسة مع بلوغ عدد المتوفين 29 شخصاً، وتسجيل أربع حالات جديدة في ألمانيا، تتزايد خسائر القطاع الزراعي في أوروبا لتصل إلى نحو نصف بليون يورو. ومع انحسار ثقة المستهلك في الخضار على أنواعها خصوصاً الخيار والخس والبندورة ونبتة الصويا، تراجعت المبيعات في شكل أدى إلى تراجع حاد في الأسعار، أرغم المزارعين على التخلص من كميات كبيرة من إنتاجهم من الخضار. وأعلن رئيس اتحاد المزارعين الألمان غيرد زونلايتنر أمس، أن منتجي الفواكه والخضار في ألمانيا يواجهون «أسوأ أزمة منذ كارثة تشيرنوبل النووية في أوكرانيا عام 1986»، لافتاً إلى أن المشاكل الاقتصادية «تتزايد يوماً بعد يوم». ورحّب بقرار المفوضية الأوروبية، رفع قيمة المساعدة المقررة للمزارعين الأوروبيين من 150 مليون يورو إلى 210 ملايين، لكن أمل في أن «تكون مساعدة أولية»، مشيراً إلى أن الأضرار المادية اللاحقة بمزارعي الخضر «تتراوح بين 500 مليون يورو و600 مليون». ودعا الحكومة الألمانية وحكومات الولايات إلى «تقديم قروض سريعة إلى المزارعين الألمان بفائدة متدنية، لتمكينهم من مواجهة خسائرهم المتزايدة». وكان اتحاد المزارعين قدّر الخسارة اليومية بخمسة ملايين يورو، لتتجاوز حالياً 70 مليوناً. ولحقت أضرار بالمزارعين في بلجيكا وفرنسا والبرتغال، إضافة إلى إسبانياوألمانيا، وحظرت روسيا استيراد الخضار من أوروبا، فيما قررت شركة طيران أميركية منع تقديم السلطة مع الوجبات الغذائية على متن رحلاتها المتجهة من أوروبا وإليها. وأعلنت برلين أمس، أن الحكومتين الألمانية والإسبانية اتفقتا على التعاون داخل الاتحاد الأوروبي لرفع قيمة التعويضات على المزارعين. وكانت مدريد رفضت المبلغ المخصص أوروبياً، إذ اعتبرت أن خسائر المزارعين الإسبان تصل إلى 200 مليون يورو أسبوعياً. ونفى وزير الشؤون الأوروبية الاسباني دييغو لوبز، أن تكون حكومته قررت تقديم دعوى ضد ألمانيا بسبب ادعاء مسؤوليها في بداية انتشار المرض أن الخيار الإسباني الملوث وراء العدوى، لكن لم يستبعد أن يلجأ عدد من المزارعين إلى تقديم دعاوى شخصية ضد الحكومة الألمانية. وعلى صعيد مكافحة المرض والبحث عن مصادره الرئيسة، أكدت السلطات الطبية المسؤولة أن قطعة الخيار التي وجدت قبل يومين في مستوعب للنفايات عائدة لعائلة من ثلاثة أشخاص أصيبوا بالمرض تحمل نوع البكتيريا ذاته «إي كولاي»، إلا أن أحداً لا يعرف ما إذا كانت الجرثومة دخلت قبل إلقاء قطعة الخيار في المستوعب أو بعده. ولا تكمن مشكلة المزارعين فقط في عجز العلماء عن تتبع مصدر البكتيريا فقط بل أيضاً في عدم قدرتهم على استبعاد احتمال أن تكون أنواع أخرى من الخضار تلوّثت في إحدى مراحل سلسلة إنتاج الغذاء. وتسببت طريقة معالجة الأزمة في توجيه انتقادات شديدة لأسلوب تعامل ألمانيا معها، خصوصاً في ظل إصدار السلطات الاتحادية والمحلية بيانات تضاربت حول أسباب العدوى، ما دفع بمفوض الصحة الأوروبي جون دالي إلى توجيه انتقادات إلى برلين. لكن وزيرة الزراعة الألمانية ايلزه آيغنر، دافعت بشدة عن نظام الأمن الغذائي في بلدها نافية وجود نزاع حول الصلاحيات.