ما كتبه الأستاذ عبدالرحمن الراشد في «الشرق الأوسط» أول من أمس عن ضرورة تجريم الإعلام الطائفي أياً كان مصدره انطلاقاً من مشروع قانون كويتي في هذا الخصوص، وما كتبه الأستاذ داود الشريان في «الحياة» قبل أيام محذراً من مخاطر الشرذمة والتفتيت في بلاد العرب، فهمته قرعاً لأجراس الإنذار، خصوصاً أن الكاتبين ليسا من هواة النصوص الانشائية، وهما صاحبا قلمين جديرين بالانتباه الى ما يخطانه، سواء اتفقنا معهما أم لم نفعل، وحين يرفعان الصوت ضد ابواق الفتنة فلأنهما مثلنا ومثل كثيرين سوانا ممن بدأوا يتحسسون هول ما يُحاك لهذي البلاد الممتدة من الماء الى الماء، مُنذراً بتحويل المياه سعيراً واليابسة براكين حقد وغضب. لا يمكن اليوم أي انسان عاقل، سواء كان كاتباً أو اعلامياً أو عاملاً في اي مجال من مجالات الشأن العام أن يتجاهل حجم المخاطر الكارثية التي يمكن أن تنجم عن انفجار الفتنة الاسلامية/ المسيحية أو السنية /الشيعية، مهما كانت الشعارات الزائفة التي يرفعها بعض هواتها أو طبيعة الأقنعة التي يرتديها المتورطون في نفخ نيرانها، ولا يمكنه أن يصمت أيضاً لأن الصمت هنا شراكة كاملة الأوصاف في الجريمة النكراء. إنها أبواب جهنم، البعض يطرقها بسوء نية وتآمر على البلاد وناسها والبعض الآخر يطرقها بغباء وجهل وسذاجة انطلاقاً من عصبيات قاتلة وغرائز بدائية دفعت شعوب الأرض الأخرى أثماناً باهظة يوم انقادت اليها في عصور الظلام. لكن، هل فكّر أحدٌ من هؤلاء الطارقين أبواب الجحيم أي غيلان قابعة خلفها وأي نار ملتهمة للأخضر واليابس يصبون زيتاً على لهيبها؟ ننحاز الى الحريات بالمطلق وبلا جدال أو نقاش، ونخشى كل قانون تسنّه السلطات مهما كانت النيات حسنة خشية سوء الاستخدام، ونرفض أي قمع للحريات السياسية والفكرية بذريعة درء الفتنة. لكن، أمام «حرية الخراب» نقف متسائلين لمصلحة مَن ينفخ بعضنا في صُور الاندثار والزوال؟ وهل يتوهم أحدٌ من دُعاة الفتنة أنه سينتصر في صراع لا يُبقي ولا يذر ولا رابح فيه سوى المتربصين بالأمة ودورها ومصيرها وثرواتها... وثوراتها؟ لا للفتنة بالفم الملآن وبالقلم العريض، لا للفتنة سواء كانت خلف أقنعتها قوى استعمارية، أو أنظمة مستبدة أو بائدة، أو تيارات متطرفة قاتلة ومقتولة في آن. لا للفتنة ليس خوفاً على الحاضر فحسب بل أولاً على المستقبل الذي يبدو حالكاً بهيماً ما لم يُبادر المتنورون على اختلاف انتماءاتهم العقائدية والفكرية والسياسية الى الانخراط سريعاً وقبل فوات الأوان في معركة منع الانزلاق الى الفتنة الكبرى التي بدأت تفرك عينيها استعداداً للاستيقاظ، وما نشهده الآن ليس سوى شظايا هذا الفرك...؟!! لا نستغرب أن تتلاقى مصالح محلية اقليمية ودولية على الدفع باتجاه الخراب والفوضى – غير الخلاّقة على الاطلاق – ولا أن يُقدّم الساسة مصالحهم التافهة على مصير البلاد و «العباد»، لكن المستغرب سرعة اندفاع بعض المثقفين نحو الأتون وعزفه على وتر النشاز المذهبي والطائفي غافلاً أو مُتغافلاً عن كون هذا الوتر حبلاً قاتلاً يلتف حول أعناقنا جميعاً، ويهدّد بتبديد كل الاحلام التي انتعشت على وقع الحراك الشعبي، أملاً في ان تكون هتافات الشوارع والميادين شرفات لمستقبل أفضل لا صيحات جاهلية أولى....؟!!