يؤثّر الضعف الإجمالي المستمر للدولار أمام العملات الأخرى، في تقويم ثروات العائلات الغنية في العالم عموماً، والمنطقة العربية خصوصاً. وتنمو ثروات الأسر العربية عادة مع ارتفاع أسعار النفط وتراكم الفوائض المالية التي تنتج عن ذلك، وتشجع الحكومات على التوسع في الإنفاق على المشاريع الحيوية في قطاعات البنية التحتية، ما ينعكس إيجاباً على النمو الاقتصادي في البلدان العربية، خصوصاً منها المصدِّرة للنفط. لكن ضعف سعر صرف الدولار، العملة التي تعتمدها عائلات كثيرة في المنطقة لتقويم أصولها النقدية وشبه النقدية، إضافة إلى الأخطار من انخفاض تقويم الأصول، قد تدفع العائلات الثرية إلى البحث عن أصول أكثر ثباتاً لناحية التسعير وأكثر مرونة في مواجهة التحديات المرتبطة بضعف العملات ومشكلات الاستثمار في شكل عام، وفق التقرير الأسبوعي ل «المزايا القابضة». وأبرز الأصول المستهدفة، بحسب التقرير، العقارات، خصوصاً تلك المنتجة للدخل، بعدما سجل القطاع معدلات نمو واضحة في الأسواق العالمية وفي أسواق الخليج. وصدر التقرير في ظل انحدار الدولار إلى أدنى مستوى في شهر أمام سلة عملات بعد صدور بيانات أميركية سلبية أذكت المخاوف من تباطؤ التعافي الاقتصادي، وأدت بعائدات سندات الخزانة الأميركية العشرية إلى تسجيل أدنى مستوى في ستة شهور ما دون ثلاثة في المئة، ما شكّل ضغطاً على الدولار. وفي المقابل، ارتفع اليورو بعدما خفضت مؤسسة «موديز» تصنيفها الائتماني لليونان. وأثار إعلان الولاياتالمتحدة عن خطة التيسير الكمي (الإنعاش النقدي) الأولى والثانية في الشهور الأخيرة، سلسلة من التطورات قادت إلى ما يسمى بحرب العملات، فالتيسير الكمي سياسة نقدية تستخدمها بعض المصارف المركزية لزيادة المعروض من النقد بزيادة الاحتياطات المخصصة للنظام المصرفي. وكان تقرير سابق ل «المزايا» أشار إلى أن ضعف الدولار في مقابل العملات الأخرى، سيعيد طرح موضوع إعادة تقويم العملات. ويتوقع مراقبون أن تكون العملات الخليجية في صدارة العملات في الأسواق الناشئة التي يُعاد تقويم ارتباطها بالدولار، خصوصاً الدرهم الإماراتي والريال السعودي، بهدف منع التأثير السلبي للتضخم على الاقتصادات المحلية. ولفت التقرير الجديد ل «المزايا» إلى تركز العائلات العربية الثرية في دول الخليج، خصوصاً السعودية والإمارات، ما يعزز التوجه العام للعائلات الغنية العربية نحو حماية أصولها من انخفاض القيمة ومن أخطار التضخم المرتبط بارتفاع أسعار النفط وازدياد إنتاجه. وأشارت «المزايا» إلى أن العائلات العربية، في حال لم تعلن السلطات النقدية في دول الخليج إعادة تقويم ارتباط العملات الخليجية بالدولار، ستحاول التعامل بذاتها مع الضعف المتوقع للدولار خلال الأشهر المقبلة، في ظل تدارس «منظمة الدول المصدرة للنفط» (أوبك) رفع إنتاجها للمرة الأولى منذ عام 2007، ما قد يخفض أسعار النفط التي تراوح حول 100 دولار. وكشف تقرير متخصص أن السعودية تصدّرت قائمة الدول العشر الأولى في العالم في درجة تركيز العائلات الفائقة الثراء، كما حجزت كل من الكويت وقطر والإمارات موقعاً لها من ضمن هذه القائمة. ولفت التقرير السنوي الذي تعده «مجموعة بوسطن الاستشارية» حول الثروة العالمية، عن وجود 18 أسرة فائقة الثراء من أصل 100 ألف أسرة ثرية في السعودية، تليها سويسرا بواقع 10 من أصل 100 ألف، مشيرة إلى أن قيمة الأصول المدارة ارتفعت بنسبة 8.6 في المئة في الشرق الأوسط وأفريقيا لتحقق رقما قياسياً بلغ 4.5 تريليون دولار عام 2010، متوقعاً أن يرتفع إلى 6.7 تريليون دولار عام 2015. وجاءت هونغ كونغ في المركز الثالث (بتسع أسر)، ثم الكويت (ثماني أسر) والنمسا (ثماني أسر) والنروج (سبع أسر) وقطر (ست أسر) والدنمارك (خمس أسر) وسنغافورة (خمس أسر) والإمارات (خمس أسر). ولاحظ التقرير أن الثروات الطائلة لا تعكس شهية المخاطرة لدى المستثمرين في المنطقة التي لا تزال ضعيفة، مقارنة بالمرحلة التي سبقت الركود المالي، إضافة إلى أن استثمار الأثرياء في دول مجلس التعاون الخليجي للأصول في المنتجات النقدية والشبه نقدية، لا يزال مرتفعاً، وهي التي تتأثر بتقلبات ووهن الدولار. وبحسب التقرير ذاته، فإن الثروة العالمية واصلت تعافيها بثبات عام 2010، مدفوعة بالنمو في كل المناطق الاقتصادية تقريباً، وازدادت تسعة تريليونات دولار، أو ثمانية في المئة، لتبلغ رقماً قياسياً مقداره 121.8 تريليون دولار، أي أكثر بنحو 20 تريليون دولار، مقارنة بعام 2009 حينما كانت الأزمة المالية في ذروتها. ويضع التقرير أميركا الشمالية في صدارة الزيادة المطلقة لسوق الثروة في الأصول المدارة، التي بلغت 3.6 تريليون دولار، وفي المرتبة الثانية لجهة النمو بنسبة 10.2 في المئة، وبلغت أصولها المدارة 38.2 تريليون دولار، ما يجعلها أغنى منطقة في العالم من خلال استحواذها على ثلث الثروة العالمية تقريباً. وفي أوروبا، نمت الثروة بنسبة 4.8 في المئة، وهي نسبة أقل من المتوسط العالمي، ومع ذلك اكتسبت المنطقة زيادة مقدارها 1.7 تريليون دولار من الثروة المدارة وتباطأ النمو مع قوة اليورو في مقابل الدولار. أما أسرع نمو للثروة فكان في منطقة آسيا والمحيط الهادئ (باستثناء اليابان)، بمعدل 17.1 في المئة، فيما فاق النمو في الشرق الأوسط وأفريقيا المتوسط العالمي وبنسبة 8.6 في المئة، كما نمت الثروة 8.2 في المئة في أميركا اللاتينية. وشكّلت هذه المناطق الثلاث مجتمعة 24.4 في المئة من الثروة العالمية عام 2010، مقارنة ب 20.9 في المئة عام 2008.