في ستينات القرن الماضي، حظي السيرك القومي المصري بدعم الرئيس جمال عبدالناصر، فكان فنانو السيرك يتدربون على أيدي محترفين روس، وأتيحت للكثير منهم فرصة السفر وتقديم العروض خارج البلاد. وفي عهد الرئيس أنور السادات، ساهمت سياسة الانفتاح في إنهاء سيطرة الدولة على هؤلاء الفنانين، ما حفّز عمل العائلات التي تروّض الأسود. أما في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، فقد تضاءل الدعم المادي للسيرك، وانكمشت دخول العاملين فيه. تدهور مظهر السيرك عموماً، فيما يجاهد فنانو السيرك من أجل الحفاظ على تقاليدهم المهنية التي استمرت لأجيال، إذ واصلوا العمل على رغم الظروف القاسية وضعف المعنويات، وتحول شباب السيرك إلى العمل في وظائف عادية، واتجه بعضهم للعمل في الحفلات الخاصة وإعلانات التلفزيون، أملاً في مواجهة ظروف الحياة والتكفّل بمصاريف عائلاتهم وفنهم أيضاً. واليوم، ينظر فنانو «الأكروبات» ومروضو الأسود الشباب خلفهم فيرون ماضياً حظي به أسلافهم وحرموا هم من مجد سابقيهم وتقدير المجتمع. وإذا كانت الظروف قد سمحت لقلة من المحظوظين بالدراسة أو العمل في الخارج، من دون مساعدة الدولة، فإن الآخرين يئسوا من انتظار فرصة السفر والعمل في الخارج، أو حتى الحلم بالحياة التي عرفها آباؤهم. وأصبح قصارى ما يحلمون به هو السفر إلى محافظات نائية لتقديم عروضهم لجمهور جديد، وعلى رغم ذلك كله، تستمر الدولة في فرض رقابتها على مهنتهم. تتبّع المصور البريطاني، جون بيركينز، السيرك القومي المصري في جولاته في أنحاء مصر، لسنوات عدة، وتراكمت بين يديه مجموعة كبيرة من الصور التي ترسم ملامح إنسانية لحياة العاملين فيه، في لحظات الأداء وخارجها. ويعرض مجموعة مختارة من تلك الصور في غاليري «تاون هاوس» في القاهرة تحت عنوان «سيرك السيد الرئيس». تصاحب الصور مجموعة من الملاحظات والتعليقات التي دونها بيركينز من مشاهداته ولقاءاته مع العاملين في السيرك، فيصبح المعرض أشبه بسيرة توثيقية لتاريخ السيرك القومي المصري بالصور والأسماء، منذ بدايات القرن الماضي، وحتى اليوم. وتوضح الصور والتعليقات مدى المجهود الذي بذله بيركينز على مدى ثلاث سنوات تقريباً، تتبع خلالها سيرة هذا الفن في مصر منذ بداياته، وتعرف خلالها عن قرب بالكثير ممن يعملون في هذا المجال. ومع الصور يعرض بعض أدوات ومعدّات السيرك، مثل السوط الخاص بمدرب الأسود، وحذاء المهرج، وغيرها من المتعلقات. وتصاحب المعرض ورشة عمل يديرها بيركينز، على مدار شهر كامل، تحت عنوان «قصة الصورة»، وتسعى إلى الإجابة على أسئلة من نوع: لماذا تلتقط أكثر من صورة للموضوع الواحد؟ كيف يتغير مدلول الصورة مع الوقت؟ كيف يمكن للمصور أن يختار صوراً من أعمال قام بها على مدار سنة؟ وكيف يمكن للمصورين التحكم في الطريقة التي يرى بها الآخرون أعمالهم؟ وخلال هذه الورشة، سيتم البحث في طريقة تقديم مشاريع التصوير للمجّلات والغاليريهات. وسيقوم المشاركون في الورشة بتصوير موضوعاتهم بأنفسهم، في محاولة لاكتشاف الأسلوب الخاص لكل مشارك. ومع نهاية الورشة ستعرض أعمال المشاركين في معرض جماعي في مسرح «روابط». تجول جون بيركينز في عدد من بلدان الشرق الأوسط، بداية من القدسالمحتلة، حيث عمل مع أطفال فلسطينيين. وأسلوبه أن يصور ويذيّل كل صورة بتعليق مكتوب، يذكره بظروف تصوير اللقطة، ما جعل من مجموعته مادة توثيقية وأدبية مميزة، وله عدد من المواضيع الشهيرة حول غزة، والقاهرة، والسجون في كندا، والعمالة الأجنبية في دبي. دأب بيركينز على زيارة القاهرة منذ عام 2007، وفي كل مرة «يسجل» ملاحظاته في مجموعة من الصور الفوتوغرافية. نال عدداً من الجوائز الدولية، منها جائزة جمعية المصورين الصحافيين القومية في الولاياتالمتحدة أكثر من مرة. واختير كأحد المصورين الصاعدين من قبل مؤسسة ماجينتا في كندا. في عام 2007 قام بيركينز بتدريس ورشته الأولى في غاليري «تاون هاوس» في القاهرة تحت عنوان، «في البيت» ثم عاد مرة أخرى إلى الغاليري نفسه في عام 2009، لينظم ورشة عنوانها «مدينة هائلة الحجم». وفي عام 2010 قام بالتدريس في «مسرح جنين للحرية» في فلسطين، وتنشر أعماله في شكل دوري في مجلة “إندبندنت” البريطانية، ومجلة «ذا ناشيونال» في الإماراتالمتحدة.