خفّف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من لهجة تحذيره تركيا في شأن عمليتها العسكرية ضد مسلحين أكراد في شمال سورية، وذلك بعدما وصف الأتراك تصريحاته بأنها «إهانات»، فيما أكدت أنقرة أن العملية لا تهدف فقط إلى القضاء على تهديد يستهدفها، إنما من أجل إرساء الاستقرار في سورية. وفي وغضون ذلك، وصلت المعارك إلى بلدة بلبلة، شمال عفرين، وهي البلدة الأكبر التي تصل إليها الاشتباكات حتى الآن. وكان ماكرون حذّر تركيا من أن عملياتها في منطقة عفرين «يجب ألا تصبح ذريعة لغزو سورية». وحضّ أنقرة على تنسيق خطواتها مع حلفائها. وفي رد حاد يبرز التوتر بين الأتراك وحلفائهم في «حلف شمال الأطلسي» (ناتو)، اعتبر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن «توجيه دولة مثل فرنسا ملاحظات لنا عن عملية ننفذها بما يتفق مع القوانين الدولية، إهانات». إلا أن ماكرون خفّف في تصريحات أدلى بها في تونس من حدّة لهجته السابقة. وقال خلال مؤتمر صحافي: «ألاحظ أن رد فعل وزير الخارجية التركي يعني على الأرجح أن العملية التركية لن تتجاوز تأمين الحدود وأن تركيا لا تنوي الذهاب أبعد من مواقعها التي تحتلها اليوم أو البقاء في المنطقة على المدى الطويل»، مؤكداً أنه «مطمئن». وأوضح أنه سيتصل مجدداً بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان «خلال الأيام المقبلة» لبحث الملف. إلى ذلك، أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، أن القذائف الصاروخية التي أطلقها المسلحون الأكراد من منطقة عفرين، تسببت بمقتل 5 مدنيين وإصابة أكثر من 100 آخرين بجروح خلال 12 يوماً. ولفت خلال حفل وضع حجر أساس طريق سريع يربط العاصمة أنقرة بولاية نيغدا إلى أنّ «السفلة الإرهابيين في عفرين أطلقوا 82 قذيفة صاروخية على ولايتي هاتاي وكيليس في 12 يوماً، تسببت بمقتل 5 مدنيين وإصابة أكثر من 100 بجروح». وفي تعليق على تطورات عملية «غصن الزيتون»، قال: «هدمنا مواقع الإرهابيين على رؤوسهم وسنقوم بتطهير المنطقة منهم تماماً»، مؤكداً «مواصلة مكافحة الإرهاب داخل وخارجها من دون توقف، حتى القضاء على الإرهابيين». وشدد على أن «هدفنا تحقيق الأمن والاستقرار لشعبنا». واعتبر جاويش أوغلو أمس، أن عملية «غصن الزيتون» ليست فقط من أجل القضاء على تهديد يستهدف تركيا، وإنما كذلك من أجل إرساء السلم والاستقرار في سورية، وحماية حدودها ووحدة أراضيها. وأشار في تصريحات من أنطاليا إلى أن بلاده «ستقضي على كلّ التهديدات التي تواجهها، أيا كان من يقف وراءها». وأضاف: «سنلاحق الإرهابيين في عفرين كما نلاحقهم في الأناضول، لأن هناك تهديداً يستهدفنا في عفرين». وسأل وزير الخارجية التركي: «لماذا لا يولي العالم أهمية لاستغاثة مسيحيي سورية من المقاتلين الأكراد، في الوقت الذي يتشدق فيه بحقوق الإنسان؟»، مضيفاً: «لمذا لا يهتم العالم كذلك بالضحايا المدنيين الذين يسقطون في ولايتي هاتاي وكيليس بتركيا، نتيجة الصواريخ؟». وسقطت أمس 5 قذائف صاروخية على بلدة الريحانية في ولاية هاتاي التركية، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة 9 آخرين بجروح، كما أفادت وسائل الإعلام التركية، فيما سقطت 5 قذائف على كيليس أدت إلى إصابة 3 أشخاص بجروح. في غضون ذلك، استهدفت المدفعية وراجمات الصواريخ التركية، مواقع المقاتلين الأكراد في الريف الغربي لمنطقة عفرين. وأشارت وكالة أنباء «الأناضول» إلى استمرار تدفق التعزيزات للجيش التركي إلى المناطق الحدودية، فيما أصيب مراسل الوكالة صرب أوزر بجروح أثناء تغطيته المعارك في عفرين، حيث تعرّض لشظايا ناجمة عن سقوط قذائف صاروخية وقذائف هاون على موقع قريب من مكان وجوده، ونقل إلى المستشفى الحكومة في ولاية هاتاي للعلاج. وأوضح «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن المعارك وصلت إلى بلدة بلبلة، شمال عفرين، وهي البلدة الأكبر التي تصل إليها الاشتباكات حتى الآن، مشيراً إلى سيطرة القوات التركية وفصائل المعارضة على 15 قرية منذ بدء العملية العسكرية. ووثق «المرصد» مقتل 68 مدنياً في منطقة عفرين، فيما سجل مقتل 110 عناصر من الفصائل المعارضة والجيش التركي في مقابل سقوط 102 قتلى من الوحدات الكردية. إلى ذلك، ذكرت صحيفة «حرييت» أن السلطات التركية أمرت أمس باحتجاز 13 شخصاً لدعمهم نقابة الأطباء الأتراك على الإنترنت بعدما انتقدت علناً الحملة العسكرية في سورية. وأمر الادعاء التركي هذا الأسبوع باحتجاز 11 عضواً بارزاً في النقابة بمن فيهم رئيسها، بعدما أصدرت بيانا بعنوان: «لا للحرب»، ودعت إلى «إحلال السلام على الفور». واتهم الرئيس رجب طيب أردوغان نقابة الأطباء بالخيانة. كما اعتقِل ما يزيد على 300 شخص بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي «انتقدت أو عارضت أو شوّهت» عملية عفرين.