استمدت مدينة القدس قدسيتها من أنها كانت مأوى كثير من الأنبياء والمرسلين. وزادها الإسلام قدسية، فهي مسرى النبي محمد (صلى الله وعليه وسلم) وهي مكان معراجه إلى السماء. يقول الله تعالى: «سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله». ويعد المسجد الأقصى الذي أكسب تلك المدينة قدسيتها أولى القبلتين وثاني مسجدين وضعا. يقول الرسول (صلى الله وعليه وسلم): «لا تشد الرحال إلا لثلاثة مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى». كما يقول: «فضلت الصلاة في المسجد الحرام على غيرها بمئة ألف صلاة وفي مسجدي بألف صلاة وفي المسجد الأقصى بخمسمئة صلاة». وبارك الله حول المسجد الأقصى إذ تتضاعف فية الحسنات وتغفر فيه الذنوب. يقول أبو أمامة الباهلي إن الرسول قال: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله عز وجل وهم كذلك، قالوا يا رسول الله وأين هم؟ قال في أكناف بيت المقدس». ولهذه المدينة مسميات عديدة استمدت من مكانتها المقدسة، فهي تسمى القدس ومعنى القدس هو الطهر والبركة والشرف، وتسمى أيضاً دار السلام أو مدينة العدل ودار السلام هو اسمها العربي الذي ينطقه اليهود أورشليم. ومن أسمائها إيليا أو بيوس وهي المكان الذي أحبه عيسى (عليه السلام)، وهي مسرى ومعراج نبينا محمد (صلى الله وعليه وسلم) وهي مهد العبادة لأهل الشرق والغرب، وهي رمز لوحدة الأديان، وهي زهرة المدائن وبهجتها وصفوتها حتى اليوم. وتشير بعض الروايات إلى أن أول اسم أطلق على القدس هو اليبوس نسبة إلى يبوس الكنعانيين الذين وجدوا في الأساس في قلب الجزيرة العربية ثم نزحوا عنها مع من نزح عام 2000 قبل الميلاد. ويشير الدكتور حسن الباشا إلى أن الملك سالم اليبوسي بناها وأقام تحصيناتها وعرفت المدينة باسمها الكنعاني أورسالم وتم تحريف الكلمة من أورسالم إلى أورشليم التي حاول الصهاينة نسبتها إلى الأسماء العبرية وأصلها كلمة كنعانية آرامية أصيلة. وعند الفتح الإسلامي للمدينة كان اسمها إيليا، وقد ورد هذا الاسم في وثيقة الأمان التي أعطاها عمر بن الخطاب لسكان المدينة والتي عرفت «بالعهدية العمرية». أما سبب هذه التسمية إيليا فإن الرومان حينما غزوا أرض فلسطين عمد الإمبراطور الروماني إيليوس هدريان إلى إكمال ما بدأه طيطس من هدم المدينة والمسجد وأقام مكان المعبد هيكل لوثي الروماني جوبيتير، ووضع في المعبد تمثالاً لجوبيتير الذي كانوا يعبدونه كالتمثال الذي في معبد الكابيتول الروماني. وقرر الإمبراطور إيليوس محو وتغيير كل أثر للمدينة المقدسة حتى اسمها واختار اسماً جديداً يتكون من كلمتين إحداهما مأخوذة من اسمه هو إيليوس والثانية من اسم معبد الرومان كابيتول فأصبح اسم المدينة إيليا كابيتولينا وتعني إيليا بيت الله. ثم استقر اسم المدينة بعد الفتح على تسمية إسلامية عربية هي بيت المقدس أو القدس أو الأرض المقدسة أو الأرض المباركة وهذه تسميات موجودة فى القرآن الكريم والسنة النبوية. وتضم المدينة المسجد الأقصى وهو ثاني مسجد بناه سيدنا إبراهيم عليه السلام. وورد في الصحيحين أن أبا ذر سأل النبي قائلاً: أي مسجد وضع في الأرض أولاً؟ قال: المسجد الحرام. ثم سأل: قلت ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. وسأل ثالثة: كم بينهما؟ قال أربعون سنة. والمسجد الأقصى يعرف ببيت المقدس ومعنى الأقصى أي الأبعد والمراد بالبعد هنا بعده عن مكة. ويروى أن عمر بن الخطاب حين جاء إلى بيت المقدس استشار كعب الأحبار الذي كان يهودياً ثم أسلم وقال له: أين أضع المسجد؟ ويقال إنه سأله أين تُرى أصلي؟ فقال: إن أخذت عني صلّيت خلف الصخرة وكانت القدس كلها بين يديك. فقال عمر: «ضاهيت اليهودية، لا ولكن أصلي حيث صلى رسول (صلى الله وعليه وسلم) فتقدم إلى القبلة فصلى. أما المسجد الأقصى على صورته القائمة فبني في عهد الأمويين وقد بدأ بناءه الخليفة عبدالملك بن مروان وأتم بناءه ابنه الخليفة الوليد بن عبدالملك فاستكمل بعض الإضافات. ولقد كثرت مطامع اليهود في تلك المدينة منذ القدم فما زالت الحركة الصهونية تروج مزاعهما وافتراءاتها عن حق اليهود في فلسطين وحشدت لذلك كل أجهزة الإعلام التي أثّرت في الرأي العام الغربي الذي وقف يساندهم ويردد مقولة الصهونية «فلسطين أرض الميعاد «وينكرون بذلك حق الشعب الفلسطيني على أرضه ومقدساته مستشهدين في ذلك بالنصوص التوراتية المزورة. ولكي نقف على الحقيقة المصحوبة بالأدلة ينبغي علينا ألا نقف عند نصوص التوراة بل ينبغى أن نقارنها بالرؤية الإسلامية كما جاءت في القرآن الكريم.