تشهد بيروت هذه الأيام نشاطاً فنياً، على عكس الجمود السياسي الذي يُخيّم عليها نتيجة عدم تشكيل الحكومة منذ شهور. فبعد مؤتمرات صحافية للإعلان عن برامج عدد من مهرجانات الصيف التي تعج بنجوم وفرق عالمية وعربية ولبنانية، تفتتح المغنية الكولومبية اللبنانية الأصل شاكيرا، الليلة، أضخم حفلات هذا الموسم، وسط تحضيرات ضخمة، وحضور جمهور قد يتجاوز 20 ألفاً، في الهواء الطلق في مجمع «بيال». قبل سنوات، عاودت بيروت استضافة أسماء لامعة في عالم الغناء، بعد عزّ قيل إنه مضى مع سبعينات القرن العشرين، غداة اندلاع الحرب. ففي عام 2008، قدّم المغني البريطاني اللبناني الأصل، ميكا، استعراضاً مدهشاً، تلاه الإيطالي الأوبرالي اليساندرو سافينا، في حين أحيا الفرنسي شارل أزنافور أمسية رومنطيقية حالمة في عام 2009، وكان لمحبي الروك موعد مع فرقة «كين» البريطانية (2009) أشهر فرق هذا النوع من الموسيقى. وتصل شاكيرا اليوم إلى بيروت، من روسيا، بعدما قدّمت حفلتين في موسكو وسان بطرسبورغ، في جولة عالمية بعنوان «الشمس تُشرق» بدأتها في أبو ظبي، وتختتمها الشهر المقبل في باريس. وسرت إشاعات عدة عن المبلغ الذي ستتقاضاه المغنية الشعبية مقابل الحفلة، وبلغ الرقم مليون دولار، وفق بعض الروايات التي لم يتسنّ التأكد منها. أما أسعار البطاقات فتراوح بين 30 و300 دولار. يختلف ما تقدّمه شاكيرا خلال حفلاتها، عمّا هو متعارف عليه في العالم العربي، إذ درجت العادة أن تقدم فنانات وصلات غنائية مطعّمة برقص ودلال. لكن مغنية البوب الكولومبية تقدم استعراضاً متكاملاً، يتضمن الرقص والغناء والعزف والديكور والإضاءة والملابس، وتستعين بفريق من الراقصين والمؤدّين. إذاً، تعتمد شاكيرا، في إطلالتها، على الإبهار. الإضاءة والديكور والمؤثرات الصوتية، كلها تكمّل أداء شاكيرا التي تعتبر أن العرض من دون العناصر السمعية - البصرية لا معنى له. كما أن خصرها الشرقي، وحيويتها، ساعدا كثيراً في لفت الأنظار إلى ما تقدمه، إذ تتحرّك في شكل فني بحت، من دون تصنّع الإغراء. واللافت في استعراضات المغنية الشعبية محاولتها عدم تكرار ما تقدمه، والتجديد في حركاتها والسعي إلى إخراج الحفلة على شكل كرنفال، بالاعتماد على فرقة موسيقية ترافقها منذ 11 سنة، ما يعني أن التناغم بين الفرقة والمغنية في أوجه. والمميز في شاكيرا أنها شغوفة بعملها، تتدخل في كل شاردة وواردة، من اختيار الأغاني والمشاركة في تصميم الرقصات، مروراً بالعمل مع مهندس الصوت واختيار لقطات الكاميرا، وصولاً إلى الإشراف على الإضاءة والإنتاج واختيار الملابس. بيد أن نقّاداً يسجّلون عليها اعتمادها على نفسها، أكثر من اللازم، في الكتابة والتلحين والتوزيع، ما قد يوقعها أحياناً في التكرار. وتعمل إيزابيل مبارك ريبول، المعروفة باسم شاكيرا، على التفاعل مع جمهورها في حفلاتها، فيخيّم الفرح على حلقات الراقصين والهاتفين والمرددين أغنياتها. وما يميزها عن زميلاتها، تطعيمها بعض أغنياتها بايقاعات وألحان شرقية، ما يساعدها على الرقص بحرية أكثر، ويفتح لها مجالاً أوسع لإظهار أصولها العربية التي تفتخر بها، فتعبّر عن سعادتها بهذا المزيج الثقافي والحضاري والموسيقي. كما تعمد شاكيرا أحياناً إلى تقديم مقاطع غنائية باللغة العربية، كما حصل في حفلتها الأخيرة في أبو ظبي، إذ غنت مقطعاً من أغنية فيروز «أعطني الناي وغني». ويتوقع أن تقدّم شاكيرا، الحائزة جائزتي «غرامي» وسبع جوائز «غرامي لاتينية»، في حفلتها البيروتية، أغانيَ من ألبوميها الأخيرين «she wolf» و«sale el sole»، إضافة إلى «rules» و«objection» و«pure intution» و«gitana»، وأخيراً أغنية «waka waka» التي قدّمتها خلال حفلة الافتتاح لدورة كأس العالم في كرة القدم 2010، في جنوب أفريقيا، وجلبت لها شهرة واسعة. لم تكتفِ شاكيرا بالغناء باللغة الاسبانية، بل قدّمت ألبومات بالإنكليزية نافست بها بيونسي وليدي غاغا وجنيفر لوبيز وسيلين ديون. وأطلقت أول ألبوماتها Magia (سحر) وهي في الثالثة عشرة من عمرها. خلال مسيرتها الفنية، حقّقت ابنة مدينة زحلة اللبنانية، أرقاماً قياسية بالنسبة الى عمرها الفني، ووفقاً لموقع «ياهو» الإلكتروني فإن أغنية hips dont lie (الخصر لا يكذب) هي أكثر الأغنيات مبيعاً في القرن الحادي والعشرين، وهي أكثر أغنية منفردة قدّمت على الراديو الأميركي خلال أسبوع، إذ بُثّت 9637 مرة خلال سبعة أيام! وباعت شاكيرا، وفقاً لشركة «سوني»، أكثر من 72 مليون نسخة من أسطواناتها، وتعتبر رابع أعلى المغنيات دخلاً بعد مادونا وباربرا سترايسند وسيلين ديون. وهذه الزيارة هي الثانية لشاكيرا إلى لبنان، فهي كانت وصلت فجأة في عام 2003 برفقة والديها، وزارت منزلها في زحلة، وتعرّفت إلى معالم أثرية في البلد في أقل من يومين. وقدّمت دويتو غنائياً مع راغب علامة (good stuff)، إنما من دون أن يلتقيا. وتسري أخبار عن نيّتها تقديم دويتو حياً مع عمرو دياب بعد تقديمهما حفلة مشتركة في أبو ظبي. وتمضي الفنانة الشعبية أوقات فراغها في قراءة تاريخ الشعوب، والاهتمام بمؤسستها الخيرية، وهي سفيرة «يونيسف» للنوايا الحسنة. كتب عنها حائز جائزة نوبل للآداب، غابرييل غارسيا ماركيز: «لموسيقى شاكيرا نغمة خاصة، لا تشبهها أي نغمة أخرى. لا أحد يستطيع الغناء والرقص بمثل هذا الإحساس البريء الذي ابتكرته لنفسها».