يصل متوسط الإصدارات الصحافية اليومية في المملكة إلى نحو العشرة، وجارٍ العمل في الوقت الحالي على زيادة هذا الرقم بإصدارات جديدة ستنطلق خلال أشهر قليلة، في وقت تعاني فيه المؤسسات الصحافية القائمة بالفعل من ندرة في عدد الصحافيين المميّزين، وهو ما أوجد نوعاً من الجدل بين المهتمين حول مسؤولية الارتقاء بمهنية العاملين في هذه الصحف، وتأثير ما يعرف ب «الصحافي المتعاون» و«مندوب العلاقات العامة» على العمل الصحافي وخطورة الخلط بينهما، إضافة إلى مسؤولية «جمعية الصحافيين السعوديين» ودورها المنتظر في هذا الجانب. الكاتب الصحافي الدكتور أحمد بن راشد بن سعيّد أوضح أنه: «لا بد من التفرقة بين الصحافي المتعاون ومسؤول العلاقات العامة في مؤسسة أو دائرة ما»، مشيراً إلى أن الصحافي المتعاون الذي أصبح يمتهن الصحافة ويفهم العمل الصحافي وآلياته ويعرف من أين تؤكل الكتف، يختلف تماماً عن مسؤول العلاقات العامة، فالأخير ليس بصحافي متعاون بل هو همزة وصل بين المنشأة أو المؤسسة التي يعمل لصالحها والوسيلة الإعلامية، وقال في حديث مع «الحياة»: «مسؤول العلاقات العامة لن يعطي أرقاماً حقيقية دقيقة عن المنشأة أو المؤسسة التي يعمل بها، فهو يعتبر بمثابة قناة دعائية لها، فمدير العلاقات العامة في شرطة الرياض مثلاً سيكون مدافعاً شرساً عن نظام ساهر، وسيسوق مجموعة من المعلومات الإيجابية فقط عن هذا النظام، وكيف أن الحوادث انخفضت بعد تطبيقه بنسبة 70 في المئة، بل إنه ربما يذهب إلى أبعد من ذلك بتحميله المواطنين ما يحصل من أخطاء، ولو قدّر لهذا الرجل أن يعمل صحافياً متعاوناً في إحدى الصحف فإنه سيضر حتماً بصدقية الصحيفة»، وتساءل ابن سعيّد: «ماذا لو طلبت الصحيفة منه على سبيل المثال أن يعد تقريراً عن نظام ساهر، فكيف سيكون شكل تقريره؟!» لكنه في مقابل هذا لا يجد خللاً في أن يفتح الصحافي قنوات مع جميع المؤسسات وليس مؤسسة بعينها يعمل هو لصالحها، وقال: «هذا خير لا بد منه، وليس شراً» إذ إنه يثري الصحيفة والصحافة أيضاً، ويخفف من الأعباء المادية على تلك الصحيفة التي تتعامل مع الصحافيين المتعاونين عن طريق نظام المكافأة المقطوعة أو دفع رواتبهم الشهرية قياساً بعدد الأخبار المنشورة لهم، وهو ما يعني كلفة أقل، فأجر الصحافي المتعاون لا يقارن بأجر الصحافي المتفرغ الذي يعمل باستمرار مع المؤسسة الصحافية وخاضع تحت مظلتها لنظام العمل والعمال»، ويزيد بقوله: «وجود الصحافيين في أي صحيفة ينوّع مصادر الخبر لديها، وبهذا ستتسع قاعدتها وتقوى شخصيتها وتنفتح على جهات كثيرة من المجتمع». وتمنى ابن راشد أن تكون هنالك هيئة أو نقابة «حقيقية» على حد وصفه تمثل الصحافي المتعاون والمتفرغ «هيئة تدافع عنهم أوقات الأزمات وتحميهم، لكي يعرفوا أيضاً ما لهم وما عليهم». فيما يقف الكاتب الصحافي عبدالله ناصر العتيبي موقفاً معارضاً لوجود الصحافي المتعاون، محملاً غياب المهنية في غالبية الصحف السعودية مسؤولية سيطرة المحررين المتعاونيين عليها بقوله: «تنتشر ظاهرة المحررين المتعاونين في صحافتنا المحلية لغياب المهنية عن غالبية الصحف والوسائل الإعلامية المحلية، ما يجعلها بيئة مناسبة لضم عديمي الموهبة والفارغين من القدرة الصحافية، إذ لا توجد مقاييس محددة تفرز الصحافي الجيد من غير الجيد محلياً، وبالتالي يكثر الصحافيون المتفرغون عديمو الموهبة». لافتاً إلى أن بحث بعض الموظفين والمعلمين عن الشهرة والمكانة الاجتماعية يدفعهم «للاشتغال بالصحافة»، لأنها أقصر الطرق للوصول إلى هذين المطلبين في الوقت الحالي، موضحاً: «أخبار صحافتنا ووسائلنا الإعلامية هي في غالبها منشورات لإدارات العلاقات العامة في الشركات والقطاعات الحكومية، وأفضل من يقوم بكتابتها ونقلها ونشرها هم موظفو العلاقات العامة الذين يمثلون نسبة لا يستهان بها من الصحافيين المتفرغين». ويضيف: «بحث بعض الموظفين عن عائد مادي إضافي (دخل ما بعد المغرب) ليسندوا به أحمالهم المالية المتنامية، وأسهل وسيلة للحصول على هذا الدخل هو الالتحاق بالصحف والوسائل الإعلامية التي لا تفرز مهنيتها في العادة جيد الصحافي من رديئه» منبهاً إلى أن عدم وجود فارق كبير في الراتب بين الصحافي المتعاون والصحافي المتفرغ «يغري الكثير من الصحافيين المتفرغين بالبحث عن وظيفة أخرى والتحول إلى التعاون بدلاً من التفرغ». ويقترح العتيبي للقضاء على هذه الظاهرة «الرفع من أداء الوسائل الإعلامية المحلية، وبالتالي تضييق الخناق على الصحافيين الباحثين عن الشهرة والضوء والمال والمفتقدين للحس الصحافي»، ويضيف: «يتطلب أيضاً تدخل هيئة الصحافيين لفرض نسب محددة من الصحافيين المتفرغين على وسائل الإعلام المحلية، وإلا حرمان هذه الوسائل من جنة هيئة الصحافيين، وبالطبع هذا الأمر يفترض وجود جنة لهيئة الصحافيين وهي غير موجودة للأسف في الوقت الحالي».