انتصر التحالف الدببلوماسي المغلق في اللحظات الأخيرة بين مصر الثورة وقطر، وتجلى ذلك بصورة إجماع وزراء الخارجية العرب على اختيار نبيل العربي الأمين الأول (لجامعة الدول العربية) بعد الثورات العربية. لقد كان اختياراً للتكنوقراطيين المتمرسين ولفظاً للديماغوجيين... كان انتصاراً للتحول العربي، فلم ينس أبناء الوطن العربي تصريحات مواطنهم نبيل العربي نحو مطالبهم التحررية، ونظمهم المستقبلية والقضية الفلسطينية. جاء العربي وفق الاتجاه الشعبي الذي لفظ أولئك الديماغوجيين الساسة المتلاعبين الملونين، فالأرواح التي زهقت في الثورات لم تكن إلا نتاج التقويم الأخلاقي السلبي لنمط من الأفعال والتصرفات التي تشكل لوناً من الرياء والنفاق في السياسة والتي تهدف إلى الاستحواذ على وعي الجماهير لمصلحة الديكتاتور المستبد، باسم أغراض أنانية وتتم عادة باستخدام وسائل الأخلاق، من أجل الوصول إلى السلطة واكتساب الشعبية لدى الجماهير، وتحقيق المآرب الأنانية والشخصية، المتاجرة بمصالح الجماهير وتطلعاتها، وخلق الإيمان الكاذب بالإخلاص للشعب. لقد أحدث العربي بهذه النقلة للجامعة العربية فراغاً كبيراً لدى الخارجية المصرية ولدى الشعوب العربية، فخسرنا الخبير في الشؤون الدولية والديبلوماسية، مستشار الحكومة السودانية في شأن التحكيم في آبيي، القاضي في محكمة العدل الدولية رئيس مركز التحكيم الدولي، عضو لجنة الحكماء التي تم تشكيلها أثناء اندلاع ثورة 25 يناير، ثم بعد ذلك ومن دون رشى حزبية، مالية أو شراء ذمم، تم اختياره بامتياز وزيراً للخارجية ثم أميناً عاماً للجامعة العربية. لقد تسلّم العربي قيادة الجامعة في ذكرى نكبة العالم العربي بتهويد فلسطين وشتات اهلها، فهل جاء هذا القدر قدراً على الاسم والمسمى للأمين العربي؟ إننا ننتظر منه أن يرفع شعاراً للعالم العربي هو: «فلسطين مسؤولية الجميع»، «الجميع شركاء في رفع الظلم عن فلسطين»، «العودة حق كل الفلسطينيين». إنها رسالة مفتوحة إلى الأمين الأول من مواطن عربي يحمل الهم مثل كل المواطنين حول أولويات الجامعة العربية وإعادة صياغتها التي ترتكز على الإنسان العربي وكرامته، حول الحدود التي تمزقنا وتشتتنا بذرائع واهية. السيد الأمين... ألم يحن لصنمي سايكس وبيكو أن يسقطا، لقد جثما على صدورنا مئة عام، ونحن نقدس هذه الأصنام ونحافظ عليها حتى بعد أن تراجعت فرنسا وبريطانيا عن قيادة العالم، ودخلنا مرحلة التحرر والبناء، وما زلنا نتمسك بسياساتهما القائمة، لقد مات سايكس وبيكو وأبناؤهما، فإلى متى تبقى هذه الحالة؟ متى يخرج المواطن العربي ولا يجد هذه الحواجز والكتل الخرسانية والحديدية. إن ما ينفق على الحدود يساهم في تراجع الاقتصاد ويذكرنا ذلك بقول آدم سميث: «دعه يعمل دعه يمر»، هذا عمل كبير لكنك أهله.