استخدمت أنظمة حكم عربية القضية الفلسطينية للمناكفة أو المزايدة، وأحياناً لمساومة الغرب، وتم قمع الشعوب باسم تحرير فلسطين، فلا تحرير فلسطين تحقق، ولا الشعوب عاشت في ازدهار وحرية وديموقراطية. وقد ابتعدت قضية فلسطين عن الحاضنة العربية والإسلامية، لا سيما بعد اتفاقية كامب ديفيد، وما نتج منها وتبعها من تطورات سياسية وميدانية، جعلت الشعب الفلسطيني - خصوصاً في الداخل - يتحمل وحده أعباء مقاومة المشروع الصهيوني الذي استفرد به، في ظل دعم أميركي وغربي لا محدود، في موازاة ضعف وتخاذل عربيين، وصلا حد التواطؤ أحياناً! إلا أن أحداث 15 أيار (مايو) من هذا العام وضعت القضية الفلسطينية من جديد على السكة الصحيحة، وهي أحداث سيكون لها ما بعدها، وليست عابرة، بدليل تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بأن ما جرى قد يتكرر، فهي أحداث أسست لمرحلة جديدة، وهو ما يفسر ارتباك قادة إسرائيل، وتبادل التهم بين مؤسساتهم الأمنية والعسكرية. حول ما جرى يمكننا تسجيل الملاحظات والحقائق والاستنتاجات الآتية: 1 - عودة قضية فلسطين لتتصدر أخبار المنطقة من جديد بفضل التفاعل الجماهيري في شتى بقاع الأرض. 2 - تبين أن الثورات العربية ضد الاستبداد كانت لمصلحة القضية، فلم تعد الجماهير العربية تخاف من بطش أجهزة الأمن، حين تتضامن مع الشعب الفلسطيني، أو أن الأنظمة الجديدة تسمح وتبارك أو تتعامل بنوع من الحيادية على الأقل مع فعاليات التضامن مع الشعب الفلسطيني، ومن يشذّ منها سيلقى اللوم ويقع في حرج لا تؤمن تبعاته. 3 - إن إسرائيل كيان هش، فمجموعة من اللاجئين العزل والمتضامنين معهم تمكنوا من إرباك قادتها واستنفار جيشها وأجهزة أمنها، فكيف لو كانت الحال حرباً شعبية منظمة واستنزافاً مدروساً، ويمكننا قراءة طبيعة المواجهة المقبلة مع «حزب الله» الذي سيدخل رجاله شمال فلسطين بسلاحهم وعتادهم! 4 - في الوقت الذي يتحدثون فيه عن إلغاء حق العودة، فإن اللاجئ الفلسطيني في كل المنافي ومخيمات اللجوء القريبة والبعيدة قال كلمته وأعاد للقضية حيويتها. ولعل المفكرين التابعين للرأسمالية والإمبريالية المتصهينة في العالم قرأوا الرسالة جيداً، ففزعوا أو امتلأت قلوبهم غيظاً، فجوهر القضية نُفض عنه الغبار من جديد، وعاد بحيوية، وله من يحمله ويدافع عنه ويقدم روحه فداء له في مارون الراس والجولان وغزة وقلنديا والكرامة، وهناك من يشدد أزره في القاهرة وتونس واسطنبول وطهران وحتى في أوروبا، وفكرة إلغاء حق العودة، في مقابل إعطاء بعض الحقوق أو حتى جميع الحقوق المسلوبة الأخرى، مرفوضة على الإطلاق، ومن يؤمن بها لن يجرؤ على طرحها مستقبلاً! 5 - الجماهير هي صاحبة الكلمة، وليس غيرها، وهي التي ستقرر طبيعة العلاقة مع الاحتلال، بغض النظر عن كل الاتفاقات والمعاهدات في مرحلة ما قبل الثورات، وقد صرخت في وجه الديكتاتور «إرحل»، فهي اليوم تقول للاحتلال الكلمة نفسها، وهذه الحركة الجماهيرية كرة نار تنمو وتكبر وتتدحرج، وستقود الساسة وليس العكس، ومطلبها واضح ولها القدرة على التضحية من أجله، وهو تحرير فلسطين وإعادة أهلها إليها، فقد استعادت الجماهير التي طالما بكينا غيابها وسلبيتها دورها وأمسكت زمام المبادرة ولن تتراجع من دون الوصول إلى الهدف. لذا علينا أن نطمئن بأن الأمة حية والشعب لم يفقد ديناميكية الحركة والإبداع في سبيل الحرية، والنظم السياسية التي تتشكل ستعبّر عن نبض الشعوب، ولن تكون مجرد أداة تنفيذية لإملاءات السفير الأميركي، وإذا فعلت، فإن الشعب واع ويقظ وسيحاسبها حساباً عسيراً.