«يظهر أكثر فأكثر في عصر الديجتال، أن التزييف (الإعلامي) بات مهمة صعبة جداً، ذلك أن أحدهم، في مكان ما، سيلتقطك». هذه الكلمات التي شكّلت «درساً»، اعترفت قناة «إي بي سي نيوز» الأسترالية بأنها تعلمته هذا الأسبوع بعد تعرضها ل «خيبة أمل جادة «، تكاد ترسم واقع حال قنوات تلفزيونية كثيرة شرّعت أبوابها في غمرة الثورات العربية ل «صحافة المواطن»، سعياً وراء سبق، أو سداً لفراغ أو تعتيم إعلامي، بحيث لم يعدّ غريباً أن تنتشر الفبركات، وتطأ سهامها قنوات تنأى بنفسها عن مثل هذه الممارسات. «احذروا المصدر الموثوق»، نصيحة تقدمها «إي بي سي» بعد تجربتها المخيبة. والمقصود في حالتها وكالة «رويترز» التي زوّدتها صوراً من حوادث «7 أيار» (2008) في لبنان، على أنها صور حديثة ل «قوات سورية تعتدي على رهائن من المعارضة وتصوّب السلاح على رؤوسهم». ثم ما لبثت القناة أن اكتشفت الحقيقة حين تلقت بريداً إلكترونياً يشكك في الفيديو لأن «زي الجنود ليس سورياً، واللهجة لبنانية كما لوحة السيارة البادية في الشريط». وسرعان ما أتى اعتذار «رويترز» وسُحب الشريط. الأمر ذاته شهدته أروقة القناة الفرنسية الثانية الأسبوع الماضي. اعتذار آخر وردها من «رويترز» بسبب صور (لا تتعدى الثواني التسع)، زودتها إياها ل «تظاهرات في سورية»، وهي في حقيقة الأمر من الأرشيف اللبناني. وفي الحالتين، قدمت الوكالة المشهود لها بصدقيتها خدمة للحجة السورية. ففي ألف باء الصحافة نتعلم انه إذا عضّ كلب ولداً، هذا ليس بخبر، الخبر إذا عضّ ولد كلباً. وفي هذه الحالة نقول، إذا نشرت قناة رسمية في بلادنا العربية صوراً مفبركة، فهذا ليس بخبر، الخبر إن أتى الخطأ من قنوات أجنبية عريقة مشهود لها بنزاهتها. ما حدث و«رويترز» فبركة أم خطأ مهني؟ نميل إلى تصديق الخيار الثاني، رغم ما تحفل به الصفحات الإلكترونية حول الموضوع من اتهامات. وليس اتجاهنا للخيار الثاني عبثياً، فبعيداً من «الأجندات» و«المؤامرات» و«قنوات الفتنة» و«الإعلام المأجور» وسواها من المفردات التي يُطنب لها كثر على شاشاتنا هذه الأيام، لا يمكن أن نصدق أن وكالة عريقة مثل «رويترز» تضع تاريخها المهني العريق وراءها ل «نشر أكاذيب». لا نبرر هنا خطأ لم تنكره الوكالة. لكنّ سؤالاً طرحه أحد المعلّقين حول حادثة التلفزيون الأسترالي قد يحمل جزءاً من الجواب: «لماذا تقع قنوات مثل «إي بي سي نيوز» «سي إن أن» «بي بي سي» في فخ المصادر غير الموثوقة في تغطية الخبر السوري؟ الجواب لأنه لا يسمح لها بإرسال صحافييها إلى هناك». ولا يبتعد هذا، عما طرحه مقدم قناة «العربية» طاهر بركة ليل اول من امس حين قاطع ضيفه السوري بحزم، قائلاً له: «لا يلومَنا احد على مصادرنا حين يُحجب عنا أي رقم رسمي». فبركة أم تعتيم إعلامي؟ لا يهمّ... أليسا وجهين لعملة واحدة؟