رفضت باريس اقتراح وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون تشييد جسر عبر القناة الإنكليزية (تُطلق عليها فرنسا اسم بحر المانش)، في مقابل تسهيلات في شروط «طلاق» المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وإعفائها من ضريبته. أتى ذلك بعد يوم على توقيع الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، خلال لقائهما في قاعدة «ساندهيرست» العسكرية قرب لندن، معاهدة للتعاون الأمني، خصوصاً في ما يتعلّق بالإرهاب واللاجئين. كما وافقت ماي على تقديم مساعدة عسكرية إلى باريس في غرب أفريقيا. ورأت غالبية الصحف البريطانية في اقتراح جونسون مجرّد «محاولة من الوزير لسرقة الأضواء»، وتجنّب الخوض في مضاعفات «بريكزيت»، إذ كان ماكرون واضحاً في تمسكه بالشروط الأوروبية للسماح لبريطانيا بالبقاء في السوق المشتركة. وعلّق وزير المال الفرنسي برونو لومير على الاقتراح قائلاً: «كل الأفكار جديرة بأخذها في الاعتبار، حتى تلك البعيدة التحقق». وأشار إلى أن نفق القناة يربط بين ثاني وثالث أكبر اقتصادَين في أوروبا، مضيفاً: «لدينا مشاريع بنية تحتية أوروبية كبرى يواجه تمويلها صعوبة، فلننجزها أولاً قبل التفكير في أخرى جديدة». واحتاجت بريطانيا قرنين لقبول إنشاء نفق القناة الذي طرح فكرته الإمبراطور نابوليون بونابرت، وكثيراً ما شكل هذا الرابط البري محور مخاوف في شأن الهجرة غير الشرعية. لكن جونسون المعروف ب«عدائه» للاتحاد الأوروبي، منذ كان رئيساً لبلدية لندن، اعتبر أن «من غير اللائق أن يرتبط البلدان بخط سكك حديد واحد فقط»، في إشارة إلى قطار «يوروستار» الذي يخترق البحر بين البلدين. وأضاف: «يعتمد نجاحنا الاقتصادي على البنية التحتية والاتصالات الجيدة. فهل يكون نفق القناة مجرد خطوة أولى؟». وأوردت صحف بريطانية أن ماكرون قال له: «أنا موافق، فلننفذ ذلك». وتابع جونسون: «فلننسج معاً بساط بايو آخر»، في اشارة الى البساط الذي يجسّد غزو النورمانديين الفرنسيين إنكلترا، وتغلّبهم على جيوش الأنغلوساكسون في معركة «هاستينغ» في القرن الحادي عشر، والذي قرر ماكرون إعارته للندن لعرضه أمام الجمهور. لكن بريطانيا تريد من فرنسا أكثر من ذكريات تاريخية، خصوصاً أنها تخوض مفاوضات مع بروكسيل للخروج من الاتحاد الأوروبي، مع احتفاظها بمكانتها في السوق المشتركة. لكنها لم تحصل من الرئيس الفرنسي على أي دعم، إذ كرر شروط الاتحاد، قائلاً: «على بريطانيا أن تدفع ما يتوجب عليها، إذا أرادت البقاء في السوق، وعليها الخضوع للقوانين الأوروبية، والسماح بحرية الحركة». يعني ذلك أنه ردّ على الداعين إلى اعتماد نموذج النروج، في التعامل بين لندن والسوق المشتركة، إذ إنها ليست عضواً في الاتحاد، وتخضع للقوانين التي لا تشارك في وضعها، وتدفع ما يترتب عليها في مقابل ذلك، وتسمح بحرية التنقل.