في صفحته على موقع «فايسبوك» للتواصل الاجمتاعي، يقدّم المصري هيثم الفضيل نفسه بكتابة الكلمات الآتية في خانة «الحال» («ستاتس» Status): «إن التكنولوجيا موجودة في حمضي الوراثي النووي. اسمي «كود أوبتيمايزر» Code Optimizer (ترجمتها «مُحسّن الشيفرة»)، والبحوث والإبداع هما عملي». ليس في الكلمات من مبالغة. فقبل أن يبلغ الفضيل سن العاشرة، كان التهم أكواماً من مجلات الكومبيوتر، بل استطاع أن يعلّم نفسه برمجة الحاسوب. وأوضح هذا الأمر بالقول: «بكل بساطة، وقعت في غرام تلك الآلات». درس الفضيل علم الاقتصاد في المعهد العالي للإدارة والتجارة في دمياط. وعندما تخرّج، حصل على وظيفة مهندس برامج كومبيوتر في شركة مصرية كبرى، ثم انتقل إلى شركة متعددة الجنسيات. وإضافة الى عمله، كرّس الفضيل فائض وقته كليّاً للعمل على أمر شُغِف به تماماً: «الشبكة العنكبوتية للدلالات اللفظية» («سيمانتك ويب» Semantic Web). وتتألف هذه الشبكة العنكبوتية التي يرى فيها كثيرون مستقبل الإنترنت، من بيانات ضخمة ومتشابكة تحتوي أوصافاً للأشياء وللعلاقات بينها، وقد بُرمجت بطريقة يمكن فهمها من قبل أجهزة الكومبيوتر. ويؤدي هذا التركيب المُعقّد إلى تسريع عملية البحث عن المعلومات مع زيادة دقّتها أيضاً. وأورد الفضيل على صفحته الإلكترونية أنه دأب على استعارة المعدات من مكتبه في العمل، كي يعمل في المنزل على ال «سيمانتك ويب». والمفارقة ان عمله بعيد جداً من مسألة صنع شبكة للبيانات تستطيع فهم الكلمات والجُمل والنصوص! ومع حلول عام 2008، بدأ الفضيل العمل على محرك بحث مختلف نوعياً، إذ يستطيع التعامل مع دلالات الألفاظ، ثم يجمع البيانات عنها من مصادر مختلفة، كي يعطي أجوبة مباشرة عما يبحث عنه الجمهور. فعلى سبيل المثال، يقدر هذا المحرك على ربط أنواع مختلفة من المعلومات كالمدوّنات، والصور الفوتوغرافية، والمقابلات الصوتية، من مصادر مختلفة حول نجم سينمائي أو حدث تاريخي، وتقديمها بطريقة صديقة للمستخدِم. قبل سنتين، بدأ هذا العمل يؤتي ثماره. ودعا الفضيل شقيقه أشرف الى الانضمام إليه. إذ إمتلك أشرف خلفية في تطوير برامج الكومبيوتر والبنية التحتية لشبكة الإنترنت. أطلقا على مشروعهما اسم «كنجين» Kngine، اختصاراً لعبارة knowledge engine التي تعني «محرك المعرفة». ويعمل الأخوان الفضيل انطلاقاً من مقرهما في الجيزة، في منطقة الأهرام. ولفت هذا المحرك نظر مُدوّنة «تيك كرانش» المختصّة في شؤون التكنولوجيا الرقمية. ورأت فيه ضربة مباشرة لمحرك «غوغل». ولا يخفي الأخوان الفضيل طموحاتهما، بل ينظران إلى نفسيهما في سياق مصر وتاريخها. فقد صرّحا على موقع شركتهما على الإنترنت بأن محرك البحث «كنجين» هو «مكتبة الإسكندريةالجديدة»، إذ كانت مكتبة الإسكندرية القديمة تحتوي على مجموعة هائلة من المؤلفات، واعتبرها المؤرخون المكتبة الأضخم والأكثر أهمية في العالم القديم. ويريان أن نجاحهما يؤدي إلى ظهور محرك بحث فائق الذكاء وواسع الذاكرة بحيث يفوق مكتبة الإسكندرية في الأهمية، نظراً الى قدرته على إعطاء أجوبة واسعة ودقيقة وسريعة، ما يغني عن البحث في آلاف الصفحات والمراجع. ويشير الأخوان إلى أن محرك «كنجين» ربما استطاع التأثير في مستقبل الإنسانية. وكتبا في مدوّنتهما الرقمية على الإنترنت أنهما يشعران بانتمائهما لشيء ما أكبر منهما، ما يحضّهما على بذل قصارى جهودهما لإتمام مشروع «كنجين» ورفع مستوى ذكاء عمليات البحث التي يجريها. ويشيران إلى أنهما يعملان فعلياً 12 ساعة يومياً بتمويل زهيد. ولا تبدو الأحوال الاقتصادية في مصر حاضراً مشجعة للأخوين الفضيل، خصوصاً مع غياب الرأسمال المغامر أو ندرته في أحسن الأحوال. لكنهما نالا أخيراً جائزة نقدية في مسابقة لخطة مشروع أعمال رعتها وزارة الخارجية الأميركية. وأخيراً، شدّد الأخوان في كلماتهما على مدوّنتهما على أنهما جزء من جيل جديد من رواد أعمال التكنولوجيا، الذي ظهر في مصر خلال السنوات القليلة الماضية، مُبديين رغبتهما في أن يصبح موقعهما منبراً للإبداع لأنه يلهم كثيرين من الأجيال الشابة.