تعتبر محرّكات البحث جزءًا أساسياً في عمل الشبكة الدولية الإلكترونية للمعلومات (الإنترنت)؛ نظراً لقدرتها الفائقة على عرض موضوعات مترابطة، باستخدام كلمات يجري التفتيش عنها في مواقع الإنترنت، بسرعة تضاهي سرعة البرق. ويعني هذا أن الوصول إلى مادة ما على الإنترنت والرجوع إليها في أي وقت، بات أمراً في غاية السهولة. ويضاف إلى ذلك أن التطوّر المعلوماتي للإنترنت يسير صوب تجاوز الهياكل الحاضرة لهذه الشبكة. ويرى كثيرون أن الخطوة المقبلة تتمثّل في ظهور ما يصطلح على الإشارة إليه باسم «الإنترنت الدلالية» Semantic Internet. في هذه المرحلة، يغدو ممكناً البحث عن العلاقات والمفاهيم، ما يعني أيضاً أن تنظيم المعرفة وطروحاتها، تغدو نسيجاً كبيراً مترابطاً ومفعماً بالحيوية، بفضل ما يتدفق إليه من مفاهيم وأفكار وحقائق. ويتمتع هذا النسيج بالقدرة على النمو بشكل سريع، ما يتطلب أساليب تفكير جديدة للتفاعل معه. كما يؤدي هذا تلقائيّاً إلى ظهور أساليب مبتكرة نوعياً في التفكير، بحيث لا يكون تحليل العلم مثل قوالب الحجارة المرصوصة كحائط، بل تصبح أشبه بنهر يتدفق بسلاسة. والأكيد أن علم المواقع الإلكترونية Web Sites Science أصبح حقلاً قائماً بذاته حاضراً. ويوصف بأنه وسيلة جديدة للتعامل مع المسائل المتعلقة بالبيانات المترابطة والمتعددة المناهج في شبكة الإنترنت الدلالية. ويوجد حاضراً ائتلاف متخصّص بهذا العِلم، يعبّر عن نفسه في موقع «ويب ساينس. أورغ» webscience.org. كما تُعقد سلسلة من المؤتمرات لهذا الغرض، يهتم بأمر إبرازها على الإنترنت الموقع الإلكتروني «ويب ساي 10. أورغ» websci10.org. والحق أن المزج بين الإنترنت الدلالي وعلم المواقع الإلكترونية، يعتبر من الجوانب المثيرة في علوم الحاسوب المعاصرة. وإذا عدنا مرة أخرى إلى التعريفات التقليدية للإنسانيات والعلوم، يمكننا أن نتصور طريقة جديدة لتنظيم المعرفة، تستند إلى التأمّل في كثافة الوصلات الإلكترونية التي تربط بين موضوعات حقل معرفي معيّن. ويحتوي الموقع الإلكتروني «إيجين فاكتور. أورغ» eigenfactor. org مجموعة من الرسوم الرائعة التي تُظهِر خرائط لروابط النصوص والعلوم. مثلاً، يحتوي هذا الموقع خريطتين عن الوصلات الإلكترونية في علمي الفيزياء والعلوم الاجتماعية، اللذين يظهران كرسوم بيانية تفاعلية، وليس كتصنيفات للموضوعات وعناوينها وتفرّعاتها. ويعبّر هذان الرسمان عن كثافة الروابط من خلال تمثيلهما بصرياً لكثافة الوصلات الإلكترونية، كما يُظهران حجم هذه الروابط وقدراتها في توجيه البحوث. وإذا أخذنا في الاعتبار أيضاً ظاهرة انتشار الشبكات الاجتماعية Social NetWorks أخيراً، لوجدنا أن من المثير للاهتمام أن نعمل على دراسة مكان يحتوي تطبيقات كومبيوتر رقمية مختلفة، كما يوضح درجة القدرة على التواصل اجتماعياً، وكذا القدرة على الاتّصال معرفياً. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الرسوم أعدّها الأميركي نوفا سبيفاك (من مواليد العام 1969)، وهو خبير في الحاسوب والإنترنت. كما يمكن مطالعتها على الموقع الإلكتروني «مايندنغ ذي بلانيت. نِت» mindingtheplanet.net. وفسّر سبيفاك أيضاً آثار هذه التطبيقات الرقمية، كما عرّف الفضاء الذي ترسمه، مُطلِقاً عليه اسم «ميتاويب» meta-web، بمعنى أنها شبكة إلكترونية تعمل عبر أدوات تتطلّب مؤشّرات أشد قوة وأكثر دقّة، ما يعطيها قدرة فائقة على الاتّصال معرفياً واجتماعياً. وخلص سبيفاك للقول إن شبكة «ميتا- ويب» تتمتع بذكاء ذاتي في مجال القدرة على ربط العقول بعضها ببعض.