تجاوزا السبعين من العمر، لكن ذلك لم يمنع حمزة وتحسين من أن يكلّلا بالزواج قصتي حبهما لسميرة وفوزية في دار للمسنين بمدينة الديوانية، شرقي العاصمة بغداد، حيث كُتب فصل من فصول عشق لا يعترف سوى بالعواطف الإنسانية الرقيقة ولا يثنيه التقدّم في السن عن عيشه كاملاً. وتبرّع أهالي الحي الذي تقع فيه الدار بتكاليف زواج أربعة نزلاء، وأقيمت الحفلة في مبنى دار المسنين بحضور عدد كبير من أبناء المنطقة، كما استقلّ العرسان سيارات مزينة جابت بهم المدينة وسط تصفيق النساء وزغاريدهن. لم يقف السنّ عائقاً بين العريس الحاج حمزة كاظم، وبين هوى قلبه الولهان بسميرة، البالغة من العمر60 سنة، لتختتم هذه العلاقة بالزواج بعد لقاءات متكررة تحت الأشجار. ويقول كاظم ل «الحياة» إن «الوحدة وعدم وجود من يهتم بي من أبنائي وأقربائي دفعني إلى التفكير بالزواج، ولا أعلم كيف سرقت سميرة قلبي، لكني تقدمت طالباً يدها بواسطة مديرة الدار، قبل عام، ورفضت طلبي آنذاك. إلا أنني صممت على أن أحظى برضاها وأتزوجها، ولو كان هذا آخر ما افعله في حياتي، واليوم تحققت أمنيتي». وهو يعتبر أن الزواج في عمر متقدم له طعم مختلف عن باقي مراحل العمر، «لأنه يجدد الحياة، لذا أنصح كبار السن بعدم التردد في دخول القفص الذهبي». أما سميرة عبدالله فتؤكد ل «الحياة» أن إلحاح حمزة في طلبه جعلها توافق أخيراً على الارتباط به، وتقول إن «هذا الزواج سيحقق لي الكثير من الأمنيات التي عاشت في داخلي لكنها لم تتحقق بسبب ظروف الحياة الصعبة التي يعيشها المسنون في بلادنا». أما العريس الثاني، والذي عقد قرانه في دار المسنين نفسها، فهو تحسين مهدي الذي لازم فوزية خلال توعكها الصحي والذي دام لأشهر عدة، وانتهى به الأمر «متوعكاً» بحبها. ويقول ل «الحياة» إنه «أقدم شخص في دار المسنين، وكنت أقوم بأعمال كثيرة تخدم النزلاء، وقد ساعدت الكثيرين منهم، لكن مساعدتي لفوزية كان لها طعم خاص، منذ أن دخلت الدار العام الماضي، وهي تعاني أمراضاً متعددة، وقفت إلى جانبها حتى شفيت، وبعد ذلك تكونت بيننا علاقة حميمة، مبنية على الاحترام، انتهت بالزواج». ويضيف أنه لا يستطيع أن يصف الفرحة التي تغمر قلبه وهو يعيش أجمل أيام عمره، وإن كانت الأخيرة، مع زوجته الحبيبة. العروس، فوزية جعفر (55 سنة)، خريجة كلية التربية - قسم اللغة الإنكليزية، وتخبر أن زواجها من تحسين أعاد لها الأمل بالحياة، وأشعرها بأنها تستعيد شبابها بعد سنوات الحرمان والتعب، «وأشجّع كل النساء والرجال في دار المسنين على الزواج وخوض حياة جديدة قد تعوض ما فاتهم وتمحو آثار سنوات عجاف مرت بهم». وتؤكد فيان معن، مديرة دار المسنين في الديوانية، ل «الحياة» أن الدار تقدم الكثير من الخدمات للنزلاء بهدف إدخال البهجة والسرور إلى قلوبهم. وتضيف أن هناك أربع حالات زواج جمعت مسنين من نزلاء الدار، خلال السنوات السابقة، «فالعمر هنا لا يعيق استمرارية الحياة، خصوصاً بعدما كانت قد قست على الكثير من هؤلاء قبل انضمامهم إلى دارنا، وهم يستحقون بعض الفرح».