شارك عشرات الآلاف من الإيرانيين في مسيرات مؤيّدة للنظام، بعد أسبوع على احتجاجات منددة بالوضع المعيشي، أسفرت عن 21 قتيلاً ومئات الموقوفين. لكن أوساط الرئيس حسن روحاني حذرت من أن استمرار الاحتجاجات «سيؤدي إلى أزمة شرعية». في جنيف، دعا مفوض الأممالمتحدة السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين طهران إلى إجراء «تحقيقات مستفيضة ومستقلة وموضوعية، في كل العنف الذي وقع». واعتبر أن من حق المحتجين أن يجدوا آذاناً صاغية، وحضّ السلطات على بذل جهد ل «ضمان أن تتعامل قوات الأمن بطريقة متناسبة ووفق الضرورة، وتتماشى في شكل كامل مع القانون الدولي». وكان الانتشار الأمني أقل ظهوراً في طهران أمس، لكن تسجيلات مصوّرة بُثت على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت متظاهرين في الشوارع وشرطة مكافحة الشغب منتشرة في مدن، بينها الأهواز في جنوب غربي البلاد الثلثاء. كما أظهر تسجيل مصوّر وقوع اضطرابات في نور آباد في محافظة لرستان التي تبعد 360 كيلومتراً جنوب غربي طهران. وساعد متظاهرون زميلاً لهم، بدا مصاباً بجروح خطرة، وأحرقوا سيارة إسعاف، احتجاجاً على «رفض» مستشفى محلي علاج الجريح. وأعلن حميد رضا أبو الحسن، وهو مسؤول قضائي في مدينة بروجرد غرب إيران، توقيف «مواطن أوروبي» في المنطقة، مشيراً إلى أن «أجهزة استخبارات أوروبية درّبته وكان يقود مثيري الشغب». وبثّ التلفزيون الإيراني لقطات مباشرة لمسيرات في مدن، بينها الأهواز وآراك وإيلام وكرمانشاه وغرغان وأصفهان وعبدان وخرمشهر وقم. ورفع متظاهرون أعلاماً إيرانية وصوراً لمرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي، وهتفوا «الموت لمرتزقة أميركا» و «الدماء التي في عروقنا فداء للمرشد» و «لن نترك مرشدنا وحده»، و «الموت للمنافقين»، في إشارة إلى تنظيم «مجاهدين خلق». واتهموا الولاياتالمتحدة وإسرائيل وبريطانيا بإثارة الاضطرابات، مرددين هتافاً يطالب بإعدام «مثيري الشغب المارقين»، كما حملوا لافتات كُتب عليها وجوب قطع «أيدٍ خفية» توجّهها الدول الثلاث. وفي شوارع طهران، أعرب مواطنون عن تفهّمهم للأسباب الاقتصادية والاجتماعية الكامنة وراء الاحتجاجات، لكنهم شجبوا العنف. وقالت سكينة عيدي، وهي صيدلانية عمرها 37 سنة: «الشريحة الأكثر فقراً تعاني من ضغط كبير، لكنني أعتقد بأن هذه الأحداث لن تتواصل. حتى نهبوا وأحرقوا ممتلكات عامة، يدركون أن انعدام الأمن في البلاد لا يصبّ في مصلحة أحد». وقالت سوريا سعدات (54 سنة) إنها لا توافق على مقولة أن هناك جهات أجنبية وراء الاضطرابات، وزادت: «الناس وصلوا إلى نقطة لم يعودوا قادرين فيها على تحمّل ضغط السلطات، فخرجوا إلى الشارع». ويتراكم غضب من ركود اقتصادي ومزاعم فساد في أوساط رجال الدين والأمن. وأعرب آلاف من الإيرانيين، مستخدمين وسم «أنا مستاء» على مواقع التواصل الاجتماعي، عن استيائهم من روحاني، لا سيّما بعدما خصّص مشروع الموازنة الذي أعدّته الحكومة بلايين الدولارات للجامعات والمؤسسات الدينية، فيما أعلنت الحكومة أنها لا تملك مالاً يكفي لمساعدة العاطلين من العمل، وبينهم 28.8 في المئة من الشباب. ويسيطر «الحرس الثوري» على امبراطورية اقتصادية ضخمة، فيما يعيش أكثر من 20 مليون إيراني، أي ربع عدد السكان، تحت خط الفقر، في وقت يستورد أغنياء، بينهم أقارب لمسؤولين حكوميين، عشرات الآلاف من السيارات الفاخرة سنوياً. ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول بارز مقرّب من روحاني قوله: «استمرار الاحتجاجات سيؤدي إلى أزمة شرعية. للناس مطالب اقتصادية، يجب طبعاً التعامل معها بجدية، وعلى النظام أن يستمع إلى الناس، لكن كل ذلك يمكن مناقشته في أجواء هادئة». ولفت مسؤول ثان إلى أن سلطة روحاني «محدودة في نظام الحكم الإيراني»، مضيفاً: «الاستياء الشعبي في ازدياد. الناس يفقدون الثقة في النظام. القادة يدركون جيداً هذه الحقيقة وعواقبها الخطرة». لكن مسؤولاً ثالثاً في طهران اعتبر أن الاحتجاجات وحّدت قيادة إيران، وزاد: «خطف أعداؤنا الاحتجاجات، ولذلك اتحدت كل الفصائل من أجل حماية الجمهورية الإسلامية». ولفت مسؤول إيراني سابق من التيار الإصلاحي إلى أن «قوات الأمن لم تحاول حتى الآن منع التظاهرات»، مستدركاً أن «ذلك سيتغيّر إذ دعا (خامنئي) إلى إنهاء احتجاجات الشوارع وتحدى المتظاهرون دعوته». وتحدث المحلل السياسي سعيد ليلاز عن «انقلاب على روحاني وإنجازاته، هدفه النيل من روحاني»، فيما اعتبر مسؤول أميركي أن الرئيس الإيراني «لم يحقق شيئاً، لا سيّما اقتصادياً، ما يعني أنه لا يملك أي دعم شعبي». ورجّح أن «يكون أحد الضحايا (للاحتجاجات)، ولو لم يكن ذلك فوراً». روحاني - أردوغان إلى ذلك، أبلغ روحاني الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه يأمل بأن تنتهي التظاهرات «في غضون أيام». وأعلنت الرئاسة التركية أن أردوغان أكد في اتصال هاتفي ضرورة حماية «السلم والاستقرار» في المجتمع الإيراني، ويشاطر نظيره الإيراني رأيه بأن الحق في التظاهر يجب ألا يؤدي إلى «انتهاكات للقانون». ونقلت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إرنا) عن روحاني قوله: «نحن واثقون من أمن إيران واستقرارها. الناس في إيران أحرار في الاحتجاج داخل إطار القانون». أما وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو فقال: «استقرار إيران مهم بالنسبة إلينا. نحن ضد التدخل الخارجي. إذا كانت القيادة ستتغيّر في إيران، فإن الشعب الإيراني هو الذي سيفعل ذلك». وأضاف: «هناك اثنان يؤيّدان التظاهرات في إيران، هما (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتانياهو و(الرئيس الأميركي دونالد) ترامب». وأعلن الإليزيه أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أبلغ روحاني في اتصال هاتفي «قلقه» حيال «عدد الضحايا»، داعياً إلى «ضبط النفس والتهدئة»، ومؤكداً «وجوب احترام الحريات الأساسية، خصوصاً حريتَي التعبير والتظاهر». وأوضح الإليزيه أن الرئيسَين قررا إرجاء زيارة كان مقرراً أن يجريها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لطهران نهاية الأسبوع. وكان التلفزيون الإيراني بثّ أن روحاني طلب من ماكرون اتخاذ إجراءات ضد نشاطات «مجموعة إرهابية» إيرانية في فرنسا، في إشارة إلى «مجاهدين خلق». أما ألمانيا فاعتبرت «احتجاج الناس بشجاعة في الشوارع، على ما يواجهونه من مصاعب اقتصادية وسياسية، أمراً مشروعاً، كما يحدث في إيران الآن»، مشيرة إلى أن «لديهم منا كل الاحترام».