بعض الجمود الذي يسيطر على الغناء العربي حالياً ربما يكون دليلاً على نقص الانتماء إلى الجمهور عند نجوم الغناء والشعر الغنائي والتلحين. لا نتناول هنا شركات الإنتاج، لأنها أصلاً غائبة حتى عندما تُنتج، فكيف بنا في الوقت الذي تراه هي وقتاً متأرجحاً أو خاضعاً لتغيُّرات في المزاج؟ يشهد العالم العربي حراكاً سياسياً واجتماعياً خصباً، ينبغي الاعتراف بأنه يصعب على الفن اللحاق به، أو حتى متابعته أو التعبير عنه، إلا في حدود معينة. ذلك أن الطابع العام للحدث لا يزال المفاجأة، في حجم التغيير، ثم في حجم التداعيات. وقدّم الفن في بعض البلدان العربية، وتحديداً في الغناء، نماذج من وحي الثورات الشعبية، إلا أنها بقيت نماذج مُؤطَّرة في إطاراتها المحلية. ولم يتصدَّ شاعر أو ملحن أو مغنٍّ للموضوع العربي «الثوري» الجديد من زوايا عريضة، عربية جامعة إذا جاز التعبير. من نافل القول إن الثورات العربية الجديدة هي ثورات شبابية، الشباب أنفسهم الذين كادت الدراسات والأبحاث السياسية والإجتماعية تؤكد غياب أي دور فعلي لهم تأثيراً في مجريات واقعهم السياسي. فجأة، قام الشباب العربي من سباته، غيّر وبدّل وحاكم أحياناً من حكموا عليه من قبل بالاعتزال. هل ما زالت المفاجأة هي التي تمنع الغناء العربي من طرح هذا المعطى العربي الجديد؟ وتالياً، هل يصحّ أن الفنانين ينتظرون حتى تكتمل الصورة، السياسية والاجتماعية، قبل أن يغنوا لها ويؤرخوا لها فنياً؟ هو سؤال مشروع، إلا أن من الضروري أيضاً الخروج سريعاً من الكتابة الآنية للنصوص، ومن تأليف الألحان الآنية وأداء الأغاني الآنية، كما يجري منذ بداية الحراك الشبابي العربي. بكلام صريح: لا شك في أن الجمهور العربي ينتظر أغنية عربية، غير قُطرية، أي أغنية جامعة، تستطيع أن تحضن الهمّ والحلم والوعي الشبابي العربي في نصّ واحد لا يدخل في بكائيات الماضي (كما «أوبريت» الحلم العربي»)، ولا في إدعاءات محتملة عن الحاضر أو المستقبل. في «تاريخ» العالم العربي أغان مثل «وطني حبيبي الوطن الأكبر»، لمحمد عبد الوهاب، التي شارك فيها عدد كبير من نجوم الغناء العربي قبل أكثر من ثلاثة عقود. وأغنية «زهرة المدائن» للأخوين الرحباني التي كانت صرخة لنصرة القدس في الستينات من القرن العشرين. فهل يصعب على نجوم الشعر والغناء والتلحين العرب، اليوم، الانتباه الى أن أغنية عربية من هذا الطراز ستشكِّل جسراً يربط بين الشباب العربي؟ وأن أغنية كهذه يمكن أن تتحول إلى رمز لزمن الانفجار العربي، وإن لم تبدُ بعد نهايات الانفجار؟!