من قاع المحيط ترتفع رؤوس دنيئة وإلى قاع المحيط تسقط الرؤوس الشريفة بابلو نيرودا أجنحة الصائح في الطريق 1 تعالَيْ يا عاصفةُ وانكسري، هنا، وكوني نافذتي أريدُ أن أسمعَ ضجَّةَ العاصفةِ وهي تجوّفُ الشجرةَ وأنتَ يا جسدي، أيها القميصُ الخفيفُ في برقٍ.. كنْ رسولي في ترابٍ تقلّبْ، وكنْ ضوءَ اليرقةِ ورفيفَ الجناح. وفي ضوءٍ باهرٍ رأيتُ صدري مفتوحاً، والأيدي تستخرجُ، ودمي رأيته حريرياً يضحكُ ويسيلُ على الأيدي.. نهضتُ وتركتُ لهم قميصي، وأيديهم المتيبّسة تركتها في ذلك الضوء. 2 أيتها العاصفةُ، أيتها العاصفةُ، أنا لستُ قابيلَ الذي كَسَرَ في السفح كتفَ هابيل، ولا الغراب عند يده، ولا الجبل.. ولا الشراعَ لكنني النهارُ مستلقياً في دمه، والصرخةُ، الألمُ المتقهقرُ وظهره في الشوكِ. بعد تأمُّل إلى شاعر إغريقي الغزاةُ الذين انتظرتَهُمُ خارجَ قصيدتكَ كانوا وراءَك في المدينة الطحانُ اللصُّ، وسارقُ العجلةِ من المعبد، التاجرُ اللاعبُ بالنقود، القاضي المرتشي، المحامي المصاب بالكَلَب العسكريُّ صاحبُ النياشين، والجنديُّ الزاغبُ في سرير المتعة، وفي حَضيضِ السلَّمِ كاتبُ التقرير بمدادِ العلم.. الغزاةُ الذين انتظرتَهم في ظاهر المدينة بالأناشيد، وبالصورِ الشاهقة، بالزبَد صارخاً في فَمِ الخطيب، وبالموازين مطفَّفةً.. ومن وراء لافتاتِ المعركةِ بكتائبِ العسكر وعجلاتِ الحربِ غائصةً في وحلٍ، وبالشرف المنزلي الرفيع.. وراءكَ وراءكَ، في السوق وفي القلعة، كان الغزاة. ماذا سيقول «سوق الحميدية»، هذه السنة، لهلال رمضان؟ الغزاةُ الذين انتظرتْهُمُ الأمهاتُ في الحقولِ ومعهنَّ أباريقُ الحليبِ، والآباءُ بالمناسفِ، والجدّاتُ بالتطريز.. الغزاةُ الذين أثاروا مخيِّلة الصبايا.. وتسببوا للرجالِ بألمٍ في الحالب.. مرّوا في يقظتك، ومروا في منامك * * * هكذا انتصرت المخيلةُ على المدينة، وسحبُ الدخان على الجبال، انتصر النائمون في عسل الفكرةِ على الضاربين أيديهم في الملح والعابرين في دمِ الليل انتصر الجنديُّ النائم على الجندي المستيقظ، والهاربُ من السيف على المدافع تحت السور.. الخطيبُ المفوه، والسياسيُّ المرن، والقنصلُ المفضوحُ أنشدوا للراقصة في تلك الليلة: عاش الوطن/ عاش الوطن لم يسأل أحد عن صور الضحايا، ولا عن أسماء المجروحين والمفقودين، العربات طمرتِ القتلى بالغار، والجرحى بأكياس الشعير.. الغزاةُ / الغزاةُ انتظرتَهم في القصيدةِ، وانتظرتَهم في الظلال، وكانوا وراءكَ في لُبابِ المدينة. هنا وهناك وفي كل مكان لا أبداً يا رب، بُكرةً وأصيلا. أبداً وعلى الدوام وبلا تردد: لا خفيفة ولاهية بوجه وبلا... في الحواس وفي الكلمات وفي برق ما تحطّم في الدم النافر والعظام التي فُتِّتتْ في الألم في الترقب الفاجع في المديد، لا داميةً وملهمةً.. لا الجريحةُ لا الحزينةُ لا الذي نام ليلته في سرير من أسرى ليلاً ونصال الطالعين من وراء الصنم تنفّر رقدته لا الكريمةُ، أمُّ المطالع مؤنثة ومذكرة لا أبداً، يا رب.. لأنه ليس لأحد غير الفتيةِ المضرجين بدم النهار، هذا المارش الدامي لي ولكَ وللفتى الهائم بجمال صرخته على أرض لا. دمه الدليل. تلك النظرة 1 نَظْرَتُكِ هذا الصباح، قَبْلَ القهوةِ نَظْرَتُكِ، قَبْلَ يدكِ امتدتْ إلى الخبز، وكسرتْ، قَبْلَ خيطِ الشمسِ يتكسّر هو، أيضاً، وينثرُ قِطع الضوءِ في مشيتكِ السارحة، قَبْلَ رائحةِ السفرِ تهبُّ من ملابسي، ويدك تنقص وتضيف، لتزن يومي... نَظْرَتُكِ؛ العتابُ الصامتُ وهو يُرشد خطوتك، والسلّمُ؛ من أسفل إلى أعلى، ومن أعلى إلى أعلى، بالقمصان... والذكريات، هي الاخرى، معطَّرةً...تناولكِ الشالَ والجواربَ وأدواتِ الحلاقة. نَظْرَتُكِ، التي التقطتني، وأنا أتلفت، واقرأ الصفحة البيضاء، قبل أن أفتح الباب، وأخرج وأكون المسافر. أغنية في مركب... في المدينة الدامية، المدينة الدامية القمرُ صخريٌّ والضوء يسيل من عنق الفتى. يدي في الوريد معصم الموجة. في المدينة الدامية: المدينة في السهلِ، شرقيةً، والقمرُ أغنيةُ المغني. انهضْ وتعالَ معي من الشرقِ الليلةَ نبحرُ وفي الصبيحةِ نربطُ الزورقَ ونمشي في المدينة بابٌ على النهرِ وبابٌ على البحرِ وللغابة باب... وباب على القصة كاملة. صِبية يلهون بصيفٍ في زقاق لأني رأيت مصرعي في ساعة على مقعد في حنان الشمس مصرعي الذي رأيته يوماً لاعباً في زقاقٍ غريب، رأيته ومشيت في إثره. الضجة تتخلّص من الشِّباكِ وتقفز كالنمر تلك سحابةُ يوم. ولأني رأيتُ ما رأيتُ في خاطفٍ نزل إليَّ ملائكةٌ أسرهم صِبية يلهون بصيفٍ، وطافوا بهم، يرسفون في أغلال ملونةٍ. * شاعر سوري